اعتداء مستمر على قوت الشعب صوت الشعب العدد 201

اعتداء مستمر على قوت الشعب
صوت الشعب العدد201
21 سبتمبر 2003

كالمعتاد استغلت الدكتاتورية النوفمبرية عطلة الصيف لترفع أسعار بعض المواد والخدمات الأساسية. لقد زادت في سعر العجين ومشتقاته (خبز، مقرونة، كسكسي، سميد...) والسكر وقبلها الحليب ومشتقاته والزيت وهي كلها مواد مدعومة. كما زادت في أسعار البنزين والنقل. وبطبيعة الحال فهذه الزيادات ليست الوحيدة التي شهدتها الأسعار خلال المدة الفائتة. فأسعار المواد والخدمات غير الخاضعة للتسعير أو المراقبة تطلع (ولا تنزل) بكل "حرية". وفي هذا الإطار فقد عانت الطبقات والفئات الكادحة خلال هذه الصائفة ولا تزال من ارتفاع أسعار بعض الخضراوات الأساسية التي لا تغيب عن "قدرة" أية عائلة شعبيـة وهي البصل والبطاطا والطماطم. كما شهد النوع الوحيد من اللحوم الذي لا يزال يطوله جيب الكادح وهو لحم الدجاج ارتفاعا كبيرا. يضاف إلى كل هذا بطبيعة الحال ارتفاع أسعار الملبس وما تبقى من ضروريات.

وقد بقي الكادحون والعائلات الشعبية بشكل عام في حيرة من أمرهم أمام هذه الزيادات التي تنال من مقدرتهم الشرائيــة الضعيفة والمتدهورة بطبيعتها بالنظر إلى تدني أجورهم وضعف مداخيلهم. ومن الأسئلة التي ظلت تتردد على ألسنتهم: كيف يرتفع سعر الخبز والعجين عام الصابة؟ وكيف تشهد أسعار الخضراوات الأساسية والغلال الموسمية مثل هذا الغلاء عام الأمطار القياسية؟ وما مبرر ارتفاع أسعار اللحوم والأسماك خاصة في بلد تمتد سواحله البحرية على 1200 كلم؟ وبشكل عام ما الذي يجعل عام الصابة لا يختلف عن عام القحط والجفاف؟ فالحكومة تتعلل "بضعف الانتاج" في عام القحط للزيادة في الأسعار. فأي تعلة تجدها لتبرير الزيادات في عام الرخاء؟

وفي كلمة فالكادحون يجدون أنفسهم منهوبين في كل الأحـوال ولا سبب لهذا الوضع، أي لا سبب لجحيم غلاء الأسعار الذي تتلظى بسعيره الطبقات والفئات الشعبية، سوى كون نظام السابع من نوفمبر لا هم له سوى الحفاظ على مصالح أصحاب رأس المال المحليين والأجانب على حساب قوت الشعب. فهو يعمل على إلغاء صندوق التعـــويض بالزيادة في أسعار المواد الأساسية المدعومة (العجين ومشتقاته، الحليب، السكر، زيت الصوجا...) تطبيقا لتعليمات مؤسسات النهب الدولية (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي) التي تعتبر هذا الدعم، الذي هو ضروري بالنظر إلى ضعف مداخيل الطبقات والفئات الكادحة، مصروفا زائدا. وهو يرفع أسعار النقل تطبيقا لتعليمات نفس المؤسسات التي تريد القضاء على كل الخدمات العمومية الأساسية من نقل وصحة وتعليم وتحويلها إلى خدمات مخوصصة، خاضعة لمنطق الربح، يستغلها أصحاب رأس المال المحليين والأجانب للاستثراء على حساب مصالح الشعب والوطن. وأخيرا وليس آخرا فهو يترك أسعار المواد غير الخاضعة للمراقبة والتسعير تطلع وتنزل بحرية خدمة للاحتكاريين وخضوعا لإملاءات الدول الاحتكارية الكبرى التي تنادي بتحرير السوق لتيسير هيمنتها على البلدان التابعة والضعيفة.

وبعارة أخرى فإن كل سياسة نظام السابع من نوفمبر هي في خدمة أصحاب الثروة محليين وأجانب. فهؤلاء فقط هم المستفيدون من غلاء الأسعار. وليس من الصعب أن يلاحظ الكادحون أن الدكتاتورية النوفمبرية التي لا تتوقف عن الاعتداء على لقمة عيشهم سواء بالزيادة في الأسعار أو بخوصصة النقل والصحة والتعليم أو بالزيادة في مساهمات الأجراء في التأمين على الصحة وغيرها من الخدمات، لا تتوانى عن تقديم الدعم المستمر لأولئك الأثرياء سواء كان في شكل تشجيعات مالية أو جبائية أو جمركية. فكل اعتداء جديد على الشعب الكادح تقابله إجراءات جديدة لفائدة أصحاب رأس المال بدعوى "تشجيع الاستثمار"، دون أن ننسى ما يجنيه أفراد "العائلة الحاكمة" من الأوضاع الحالية نتيجة ضلوعهم في التجارة الموازية وفي احتكار تجارة بعض المواد.

والمشكل كل المشكل هو في كيفية التصدي لهذه السياسة المعادية لمصالح الكادحين والشعب عامة. فالاتحاد العام التونسي للشغل الذي من المفروض أن يدافع عن مصالح الكادحين، قياداته متواطئة مع الدكتاتورية النوفمبرية. فهي تساند اختياراتها الاقتصادية والاجتماعية المعادية للعمال والتي يمثل إلغاء صندوق التعويض وما يترتب عنه من زيادات في أسعار المواد الأساسية وخوصصة الخدمات الاجتماعية والثقافية الأساسية (صحة، تعليم، نقل...) بندا أساسيا من بنودها في إطار ما يعرف بـ"برنامج الاصلاح الهيكلي" المملى من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي. كمـا أن هذه القيادات ربطت العمال بما يسمى بـ"المفاوضات الاجتماعية" التي تجري مرة كل ثلاث سنوات لتسفر عن زيادات هزيلة في الأجور لا علاقة لها واقعيا بزيادات الأسعار. وبمقتضى هذا "العقد"، لا يمكن للعمال المطالبة بتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية خارج الموعد المذكور، وهو ما يفسح المجال للحكومة والأعراف للاعتداء على قوتهم دون أن يحق لهم الدفاع عن مصالحهم. وليس أدل على ذلك من اكتفاء المكتب التنفيذي للاتحاد، بعد الزيادات الأخيرة في الأسعار بـ"الدعوة إلى الضغط على الأسعار ومقاومة الاحتكار"، بعد أن أثنى على الزيادات الطفيفة التي قررها بن علي في "الأجرين الأدنيين الصناعي والفلاحي والإجراءات الأخرى المتعلقة بعمال الحضائر والعمال غير الخاضعين للاتفاقيات المشتركة" وهي زيادات وإجراءات قررت أولا دون حتى استشارة المركزية النقابية وثانيا لذر الرماد في العيون وامتصاص نقمة الأجراء.

أما الفلاحون الصغار والفقراء فهم مجردون من أية وسيلة للدفاع عن مصالحهم. فاتحاد الفلاحين واقع تحت هيمنة الحزب الحاكم وهو لا يمثل إلا مصالح كبار الفلاحين. وكذلك الأمر بالنسبة إلى صغار التجار والحرفيين وأصحاب المهن الحرة الصغيرة (أصحاب سيارات الأجرة...) فاتحاد الصناعة والتجارة لا يدافع عن مصالحهم بل يدافع عن مصالح كبار الصناعيين والتجار.

وعن العاطلين عن العمل والمهمشين الذين يعدون بمئات الآلاف فحدث ولا حرج، فهؤلاء يواجهون مصاعب الحياة فرادى. ولم يبق لهم إلا "الحرقان" ومخاطره أفقا للنجاة من جحيم السابع من نوفمبر.

وخلاصة القول فليس أمام الطبقات والفئات الكادحة من مخرج سوى الاعتماد على ذاتها لمواجهة سلسلة الاعتداءات على قوتها. فالشغالون من حقهم أن يتجاوزوا القيود التي تفرضها عليهم البيروقراطية النقابية وعدم الالتزام بما اتفقت عليه مع السلطة دون استشارتهم ليدافعوا عن حقوقهم المادية والمعنوية. وفي هذا الإطار يطرح على النقابيين الثوريين والتقدميين أن يتحملوا مسؤولياتهم في المواقع التي يوجدون فيها. أما المزارعون الصغار والفقراء وكذلك الحرفيون الصغار وأصحاب المهن الحرة الصغيرة فقد آن الأوان لكي لا يبقوا يتفرجون على أوضاعهم تتدهور. ولا سبيل إلى ذلك إلا بتنظيم أنفسهم خارج الأطر الرسمية التي تكبلهم أي اتحاد الفلاحين واتحاد الصناعة والتجارة. وعلى جماهير العاطلين عن العمل والمهمشين أن لا يتركوا أنفسهم لقمة سائغة لللفقر والانحراف أو الموت نتيجة "الحرقان" وأن يبحثوا لأنفسهم عن مصدر آخر وذلك بتكتيل صفوفهم للمطالبة بجقهم في العيش الكريم.

إن حزب العمال الذي لا هدف له سوى الدفاع عن مصالح الشعب سيكون، كما كان دائما، إلى جانب كل طبقاته وفئاته الكادحة في نضالها من أجل حقوقها المادية والمعنوية. جميعا ضد الزيادات في الأسعار. جميعا من أجل الزيادة في الأجور بما يضمن للكادحين عيشا كريما. جميعا من أجل إسقاط "برنامج الإصلاح الهيكلي" وفرض اختيارات اقتصادية تراعي مصالح الكادحين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معلقة القدس في كف بغداد - للشاعر التونسي ادم فتحي

الاشتراكية أو البربرية : حمة الهمامي

خطير جدا تونس تتحول الى مزبلة نفايات مشعة و معفاة من الاداء الجمركي ..لن نسمح بأن تكون تونس مزبلة نفايات البلدان المتقدمة