أوهام أوباما والإسلاميون


أوهام أوباما والإسلاميون


تبدي إدارة أوباما حماسا ملحوظا للتعاطف مع الموجة الإسلامية الصاعدة في المنطقة، وفي المقدمة حركات الإخوان المسلمين. وتتزايد الأنباء والتصريحات عن لقاءات واتصالا بين الإدارة الأميركية وإخوان مصر ونهضة تونس وإخوان سوريا، في تلاق مع الدعم القطري ـ التركي القوي لإخوان المنطقة، والإسلاميين عموما. ومع هذه المواقف والتحركات الأميركية، وبتأثير منها، نرى مواقف وتحركات مشابهة من الاتحاد الأوروبي. وقد سمعنا أكثر من مرة تصريحات لكبار المسئولين القطريين تخاطب الغرب: “هذه هي القوي السياسية الجديدة التي يجب دعمها.”
في إدارة أوباما، وفي الكونغرس، تيارات متضاربة، واجتهادات يناقض بعضها بعضا في كيفية التعامل مع إيران والإسلاميين العرب. ولكن يبدو أن هناك تأثيرا متزايدا على إدارة أوباما – من داخلها وخارجها - للتعاون مع الإخوان على حساب القوى العلمانية والليبرالية في المنطقة، وكذلك لعدم التصعيد الرادع مع إيران، باستثناء تصريحات تقرقع وعقوبات لا تخنق.
حين اندلعت الانتفاضة الإيرانية عام 2009، وقف أوباما موقف المتفرج فيما كان المتظاهرون في إيران يهتفون: ” أوباما: أنت معنا أم ضدنا؟!” وخلال عامين قتلت الإدارة الأميركية الوقت في حوار ثنائي توددي مع إيران بأمل تغيير مواقفها، وخصوصا ما يخص النشاط النووي العسكري. والنتيجة أن إيران هي التي كسبت ذلك الوقت لتزيد من نشاطها وتقوي إمكانياتها الفنية والمعلوماتية بحيث باتت اليوم قادرة على تصنيع القنبلة كما ورد في التقرير الأخير للوكالة الذرية. وهو ما سبق لنا التوقف عنده، كما تناوله كتاب آخرون، آخرهم الكاتب الصديق الدكتور رياض الأمير.
أما الإخوان المسلمون العرب، فلديهم أولا العلاقة الوثيقة بين أوباما وأردوغان، الذي كان يتناغم مع تصريحات أوباما ضد مبارك فيما يدعى ربيعا عربيا. ونعرف أن تركيا وقطر تدعمان بقوة إخوان سوريا اليوم بالرغم من بعض المجاملات مع الليبراليين من أمثال المناضل برهان غليون وزملائه، حيث أن مركز الثقل الرئيسي في التأييد موجه لحركة الإخوان. ونعرف أن حزب أردوغان هو الآخر فرع من فروع إخوان المنطقة، وامتداد لحزب أربكان الإسلامي القديم.
وفي الإدارة الأميركية نفسها نجد السيدة داليا مجاهد المصرية، مستشارة الرئيس النافذة لشؤون العرب والمسلمين، والمتعاطفة مع إخوان مصر، ويساعدها جون أسبويتو بجامعة جورج تاون. ويرى الكاتب عصام عبد الله أن الإخوان المسلمين يشنون عبر منظمة “كير” [مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية]، التي يقودها أنصار حماس، من أمثال نهاد عوض، فضلا عن منظمات إسلامية أخرى، حربا ضد ممثلي كتلة الليبراليين العرب والمسلمين المعتدلين في أميركا ولمنع عرض قضيتهم على الرأي العام الأميركي. وهم يشوهون قضايا الأقباط والجنوبيين السودانيين والكلدان والآشوريين، ويعملون على عرقلة انتشار أي كتاب أو مقال أو فيلم وثائقي يناصر قضايا الحريات والديمقراطية العلمانية في الشرق الأوسط. ومن جانبه، يقوم اللوبي الإيراني، ممثلا في منظمة “نياك” [اللجنة الوطنية الإيرانية الأميركية]، بقيادة “تريتا بارسي”، بتهميش المنفيين الإيرانيين والتحامل الشرس عليهم. ولعل هذا اللوبي هو من وراء استمرار الاتهام الأميركي لمجاهدي خلق بالإرهاب، والموقف الغامض والمائع من مؤامرة المالكي الإيرانية لتصفية سكان معسكر أشرف.
ويتعرض العديد من المفكرين والناشطين العرب والمسلمين المعتدلين، وحتى من الساسة الأميركيين في الكونغرس، الداعين لنشر الديمقراطية العلمانية في المنطقة، لحملات شرسة. وقد هاجمت منظمة “كير” ساسة أميركيين من الحزبين، من أمثال جون ماكين وتوم لانتوس وجو ليبرمان وبراونباك وغيرهم؛ فضلا عن الحملات على مفكرين يعرضون قضايا اضطهاد العلمانيين والأقليات في العالم العربي، ومنهم تشارلز جاكوبس، الذي يفضح نظام السودان وجرائمه – علما بأن مبعوثي أوباما يواصلون التودد للبشير المطلوب للعدالة الدولية. ومن ضحايا حملات نهاد عوض ومنظمة “كير” والجهات المؤيدة لحزب الله وللإخوان، نجد مثلا البروفيسور وليد فارس، الذي كان قد تنبأ عام 2010، في كتاب له، بانفجارات شعبية عربية ومحاولات الإسلاميين السيطرة عليها وخطفها. وهذا ما يحدث اليوم بالضبط في مصر وتونس وليبيا، وربما في غيرها غدا.
وهكذا، وتحت تأثير أفكاره الطوباوية المثالية، وميوله نحو يسار حزبه، وبتأثير مستشاريه المتعاطفين مع الإسلاميين، وخصوصا داليا مجاهد، وبحكم الأوهام عن النموذج التركي والعلاقات الخاصة مع أردوغان، نرى توجه أوباما الملحوظ للتعاون مع إسلاميي المنطقة على حساب الانعطاف نحو القوى والتيارات العلمانية والديمقراطية، التي هي وحدها قادرة على إقامة الديمقراطية والالتزام بحقوق الإنسان، وعلى مكافحة الإرهاب، والحرص على الأمن والسلام، وكذلك على إقامة علاقات متوازنة مع الغرب، ولصالح الطرفين. وما من شك في أن مغازلات إخوان مصر والغنوشي وإسلاميي ليبيا مع الإدارة الأميركية والغرب سوف تتكشف في قادمات الأيام، وفيما لو استطاع الإسلاميون احتكار السلطة في دول الانتفاضات، عن عداء مزمن لأميركا والغرب، وعن العودة لنفس المواقف القديمة، المبنية على نظريات “المؤامرات الأميركية الصهيونية”، وخلق المشاكل والمصادمات في المنطقة، وإلحاق الضرر بالمصالح الغربية نفسها، وتغذية مناخ تفريخ التطرف وصناعة جنود الإرهاب الإسلامي العابر للقارات – وبالنسبة لإيران، خروجها من السياسات والتطورات الجارية بقنابل تبتز بها حكام المنطقة والغرب. فإيران من غير قنبلة خطر كبير؛ فكيف مع إيران القنبلة!
كما كتبت في مقال سابق، إننا مقبلون على شتاء إسلاموي ماضوي كالح بأدوات ديمقراطية أي الانتخابات. والمسؤوليات، والأسباب تفسر بتخلف المجتمعات العربية والثقافة السائدة وهوس التزمت الديني، وبسياسات الأنظمة المستبدة الساقطة، وبتناثر جهود القوى والأحزاب والشخصيات العلمانية الديمقراطية في المنطقة، وقلة خبرتها ومواردها، وبدعم قوي من المحور الخليجي [القطري خاصة] – التركي؛ مع قصر نظر الإدارة الأميركية وأوهام أوباما شخصيا، وركضه في سباق الولاية الثانية دون تمعن عميق مطلوب في عواقب السياسات الارتجالية والمتناقضة التي يتبعها، ومنها في العراق.
شتاء المنطقة سيكون طويلا، وأما الربيع، فسيظل حلما من الأحلام، ألّهم إلا إذا حدثت مفاجآت كبرى تقلب الأمور رأسا على عقب!!!!!!
..عزيز الحاج

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن اتحاد الشباب الشيوعي التونسي

مبادئ الشيوعية :الى من يظن أن الشيوعية تنشر الالحاد

الاشتراكية أو البربرية : حمة الهمامي