معلقة القدس في كف بغداد - للشاعر التونسي ادم فتحي

معلقة القدس في كف بغداد - للشاعر التونسي ادم فتحي

صحْراءُ هذي أم رحَى الأجْدادِ؟
أمْ بَيْضُ عُمْرِي في يَدَيْ صَيّادِي؟
لاَ شيءَ بَعْدَ اليَوْمِ باقٍ مثْلَمَا هُوَ
فاسْمَعُوا صَمْتَ الحياةِ يُنادِي
الأرْضُ تَصْرُخُ بالشُعُوبِ تَحَرَّكِي
بالنارِ بالأحْجارِ بالأطوادِ
تتصارَعُ الطبَقاتُ في زُنَّارِها
وتُصِرُّ: تارِيخُ الصِراعِ سَمادِي
لاَبُدَّ مِنْ حَرْبٍ بِكُلِّ مَدينةٍ
أو قَرْيَةٍ أو ساحةٍ أو نادِ
القَمْحُ حارَبَ كَيْ يَصِيرَ سَنابِلاَ
والقَفْرُ حارَبَ كيْ يَصِيرَ بَوادِ
والنَمْلُ حارَبَتِ الرمالَ بِضُفْرِهَا
كَيْ لاَ تُدَاسَ بِظَفْرَةِ المُرْتادِ
والوَرْدُ حارَبَ في الرِياحِ بِرُوحِهِ
حتّى تَفِيضَ بِرِيحِهِ وتُهادِي
الحَرْبُ حِبْرُ زَمَانِنَا مِنْ أَوَّلٍ
إنْ كانَ حْبْرًا مِنْ دَمٍ وَقَّادِ
الحَرْبُ حِبْرُ الكاتِبِينَ بِعُمْرِهمْ
ما ضَمّت الأوْراقُ مِنْ أمْجادِ
سِلْمُ الضَعِيفِ عَصَا الطُغاةِ، وحَرْبُهُ
إِنْ لَمْ تَفِ العُدْوانَ تُعْيِي العادِي
ماذَا يَهُمُّ الجِذْعَ وهو نُخالَةٌ
ألاَّ يَجيء الماء في الميعادِ؟
أمّا القَوِيُّ فَحَتْفُهُ في ظُلْمِهِ
هل صَارَ رَعْدًا حاذِقُ الإِرْعادِ؟
لاَ يُعْجِبَنَّ الدُبَّ دِفْءُ فِرَائِهِ
فهو الذي يَرْمِيهِ للصَيّادِ
قَدَرُ الشُعُوبِ إذَا رأتْ وقَضَاؤُها
حُرِيَّةٌ تُدْمِي يَدَ الجلاَّدِ
وإذا سَرَتْ في الأرْضِ غُصَّةُ نَاسِها
جادتْ بِما اسْتَعْصَى على الإيجادِ

الحَرْبَ يا شَعْبِي فلا غَدَ سَالِمٌ
إلاّ بِحَرْبٍ مُرَّةٍ وجِلادِ
حَرْبُ العُرُوبَةِ هذه من أجْلِكُمْ
يارُومُ، يا إفْرَنْجُ، يا رُصّادِي
كَيْ لاَ تَمُدَّ حضارةُ الدنيا غَدًا
لِرُعاةِ أَبْقارٍ عِنانَ قِيادِ
ماذا سَنَخْسَرُ غَيْرَ عَيْشٍ بَيْنَ بَيْنَ
وحَشْرجاتٍ في دَمِ الإنْشادِ؟
ماذا سنخْسَرُ غَيْرَ رِبْحٍ خاسِرٍ
في صَفْقةٍ مَغْشُوشَةِ الأبْعادِ؟
ماذا سَنَخْسَرُ غَيْرَ بَعْبَعَةِ الشِياهِ

وذلّةِ الأبقارِ قَيْدَ وِكَادِ؟
ماذا سَنَخْسَرُ غَيْرَ فَقْرٍ مُطْبقٍ
وخُطًى تُكَبِّلُها يَدُ الأصْفادِ؟
صحْراءُ هذي بَلْ رَحَى الأجْدادِ
بَلْ بَيْضُ عُمْرِي بَلْ يَدَا صَيّادِي
بَلْ رِيشُ حُلْمِي بَلْ جَناحُ حَمِيَّتِي
بَلْ فَجْرُ يَوْمِي نابِضًا بِشِهادِ
نَفَخَ العِراقُ على دَمِي فكأنَّنِي
شَجَرٌ وَلِي عِرْقٌ بِكُلِّ بِلاَدِ
وكأنّني في الأرضِ صاحِبُ ثأْرِهَا
ما فاضَ أَعْدَاءٌ على عَدَّادِ
لِيَكُنْ بِأَنَّا لَنْ نَهُدَّ عَصاتَهُمْ
عَجلاً، وقدْ نُرْمَى بِسَهْمٍ عادِ
الحَرْبُ ليسَتْ في انتصارٍ عاجِلٍ
الحَرْبُ في استِمْرارِها المُتَمادِي
للحَرْبِ أَشْكالٌ، غَدًا قد تَخْتَفِي
نَارٌ، وتَسْرِي تَحتُ للآبادِ
طِفْلُ الحِجارَةِ ساعِدِي وبِدايَتِي
والقُدْسُ وَعْدٌ صادِقُ المِيلادِ
قَاسِي المَحَبَّةِ، والجُذُوعُ لِحَاؤُها
قَاسٍ، وأَحْدُو شَهْوَتِي بِعِنادِي
لاَ سَقْفَ يُرْضِينِي سِوَى عَدَمِ الرِضَا
وعلى رمادِي اعْتَدتُ قَدْحَ زِنادِي
فَتَرَجَّلُوا إِنْ أَتْعَبَتْكُمْ رِحْلَتِي
إِنِّي فَتًى أُنْجِبْتُ فَوْقَ جِيادِي
وإذَا وَقَعْتُ فتلكَ مَوْقِعَتِي أنَا،
الشَعْبُ شَعْبِي، والبلادُ بِلادِي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الاشتراكية أو البربرية : حمة الهمامي

خطير جدا تونس تتحول الى مزبلة نفايات مشعة و معفاة من الاداء الجمركي ..لن نسمح بأن تكون تونس مزبلة نفايات البلدان المتقدمة