حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987
رسالة مفتوحة من حزب العمال الشيوعي التونسي إلى السادة:
رئيسي الجمهورية
الوزير الأول
رئيس مجلس النواب
الوزراء
النواب
ناضل الشعب التونسي في عهد الاستعمار من أجل أن ينعم بالحرية والعيش الكريم وان يحقق عزته وكرامة وطنه واستقلال بلاده الفعلي. لكن الحكم البورقيبي لجّم لسانه وحرمه من أبسط حقوقه في التعبير والتنظيم والاجتماع وتكوين الأحزاب السياسية والإضراب والتظاهر والانتخاب الحرّ. وذلك بواسطة جملة من القوانين المتعارضة والفصل الثامن من دستور البلاد. كقانون الجمعيات وقانون الصحافة وغيرها. كما جرده من وسائل الدفاع عن خبزه وشغله وتعليمه وصحته وأرضه وحقه في الحياة الكريمة، فاستولى على منظماته الجماهيرية في أغلب الأحيان بالقوة وهو ما جرى للاتحاد العام التونسي للشغل في مناسبتين (جانفي 78 وديسمبر جانفي 85 و86 وتعرض مئات النّقابيين إلى السجن والطرد التعسفي من الشغل. أما الاتحاد العام لطلبة تونس فمنذ انقلاب أقلية من الدستوريين في المؤتمر 18 على أغلبية المؤتمرين ومناضلو الحركة الطلابيبة المتمسكون باستقلالية منظمتهم يتعرضون للإيقاف والتجنيد الإجباري برجيم معتوق والسجن والطرد من الدراسة...إلخ.
كما جرد الحكم البورقيبي الشعب من أدوات المطالبة بالمسكن اللائق والنقل والماء والتنوير والطريق وأفقده من كلّ إمكانية لمراقبة الحكومة ومحاسبتها ورفض الاتفاقيات المهينة للشعب والوطن. وأفرغ المؤسسات التمثيلية للدولة (مجلس النواب، المجالس البلدية) من كلّ تمثيلية فعلية للشعب. ودعاه في كلّ مدة نيابية بصورة شكلية لتزكية القائمات التي يضبطها الديوان السياسي للحزب الدستوري.
وخلال ثلاثين سنة وزيادة استثرى أشخاص بصورة لا مشروعة بالاستحواذ على أموال عمومية –وملفات سوء التصرف التي فتحت في السنوات الخيرة أكبر شاهد على ما نقول- وازداد آخرون ثراء، وتفاقم بالمقابل فقر الشعب وبؤسه المادي والمعنوي ووجد نفسه منذ 1982 مجبرا على تحمل أعباء أزمة اقتصادية حادة ليس له فيها أي ضلع. بينما ينعم المتسببون الحقيقيون فيها بمزيد الإثراء (الرأسماليون المحليون) ويفتح الباب أمام الرأسمال الامبريالي أكثر من أي وقت مضى لنهب خيرات بلادنا. إلا أن الشعب التونسي المحب للحرية والطموح للعيش الكريم والغيور على كرامة وطنه لم يستسلم صاغرا بل ناضل بكلّ استبسال في سبيل مطالبه ومطامحه المشروعة وخلف ضحايا بالعشرات أو قل بالمئات في مناسبات عديدة منها 26 جانفي 1978 مما اضطر ساسة الحكم في مستهل الثمانينات للتراجع بعض الشيء واقرار سياسة جديدة أسموها سياسة "التفتح" تمّ خلالها إطلاق سراح بعض المساجين السياسيين بموجب سراح شرطي والسماح لبعض الأحزاب بالنشاط القانوني ولبعض المجلات والصحف المستقلة بالصدور واجراء مصالحة في الاتحاد العام التونسي للشغل. لكن سرعان ما بدؤوا في التضييق عن تلك الإجراءات وعاد الهجوم مجددا على لقمة عيش الشعب وحرياته عرف أوجه في أحداث جانفي 84 الدامية. ويأمل الشعب أن تجري تغييرات جوهرية على شكل السلطة في اتجاه ديمقراطي يقبل بحقه في ممارسة الحرية السياسية وإدخال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللازمة والملحة لتحسين حالته وإنقاذه من البؤس وسد الباب أمام أشكال الحكم الدكتاتورية والاستبدادية. لقد خرج الشعب للشارع غداة تولي السيد زين العابدين بن رئاسة الجمهورية بدفع من محترفي التصفيق إلاّ أنه نادى بشعارات تعبر عن طموحاته: "العفو التشريعي واجب"، "الاتحاد للشرعيين"، "الشباب يا زين"، "الجنوب يا زين"...إلخ.
وأصدر السيد زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية بيانا يوم 7 نوفمبر أراده أن يحمل مضمون "عهد جديد". ولم يمض عليه أسبوع حتى عقد السيد الهادي البكوش الوزير الأول الجديد ندوة صحفية ليعطي مزيدا من التوضيحات. فماذا قدم العهد الجديد؟
1) حول مراجعة دستور البلاد:
يقول رئيس الدولة الجديد في بيان 7 نوفمبر: "إن شعبنا بلغ من الوعي والنضج ما يسمح لكلّ أبنائه وفئاته بالمشاركة البناءة في تصريف شؤونه في نظام جمهوري يولي المؤسسات مكانتها ويوفر أسباب الديمقراطية المسؤولة وعلى أساس سيادة الشعب كما نصّ عليها الدستور الذي يحتاج إلى مراجعة تأكدت اليوم، فلا مجال في عصرنا لرئاسة مدى الحياة ولا لخلافة آلية لا دخل فيها للشعب".
وهكذا بعد أكثر من ثلاثين سنة يعترف مسؤولون في هذا النظام للشعب بالوعي والنضج، وحدثوه عن حقه في تصريف شؤونه وتحقيق سيادته وأعلنوا أمامه ضرورة "مراجعة الدستور". إن مراجعة حقّة للدستور لا يجب أن تقتصر على الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية بل يجب أن تمسّ كلّ الفصول التي شرعت الحكم الفردي وأزاحت الشعب من ممارسة سيادته، وأعطت لرئيس الدولة سلطات غير محدودة. ومن دون شكّ أنّ الذين شاركوا في مناقشات المجلس التأسيسي وكذلك الذين أطلعوا عليها يعرفون جيدا من دافع بكلّ قواه على ضرورة وجود مثل تلك الفصول.
يجب أن يبدأ التغيير الديمقراطي بمراجعة الدستور بصورة تضمن للشعب الحرية السياسية وممارسة سيادته وتحميه من الدكتاتورية "أرضية" كانت أو "سماوية" ويعطي المؤسسات التمثيلية حقّ مراقبة السلطة التنفيذية ورفض ما تراه في سياستها يتعارض ومصلحة الشعب والوطن. لكن بيان 7 نوفمبر حصر مراجعة الدستور في الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية وترك جانبا طموحات الشعب في تغيير ديمقراطي حقيقي يبدأ من أعلى الهرم القانوني –دستور البلاد-
يفترض التغيير الديمقراطي إلغاء القوانين المنافية للدستور والتي استهدفت وتستهدف الحريات العامة والفردية كقانون الجمعيات وقانون الصحافة والقانون المحدث لمحكمة أمن الدولة، وتعويضها بقوانين حامية للحريات. لكن بيان 7 نوفمبر اقتصر على الاعلان على أن "مشروع قانون للأحزاب ومشروع قانون للصحافة" سيعرضان قريبا للمناقشة. هذا بالإضافة إلى أنه لم يفصح إلى حد الآن عن المدى الذي ستفتحه المشاريع الجديدة.
وتقتضي الديمقراطية أيضا تمكين الشعب من حقه في اختيار رئيس الدولة عن طريق تنظيم انتخابات رئاسية، هذا إذا اعتبر السيد زين العابدين بن علي بحق أن "لا خلافة آلية لا دخل للشعب فيها". وقد أصبح رئيسا للجمهورية بموجب فصل لا يقبله عصرنا.
لكن الوزير الأول أعلن في ندوته الصحفية جوابا على سؤال أحد الصحفيين:" إن بن علي ديمقراطي وضد الخلافة الآلية، وسيقترح تحوير الدستور وسيترشح للرئاسة في انتخابات تنظم في أوانها"، وهذا يعني أن "العهد الجديد" يحرم الشعب من الاختيار الديمقراطي مجددا ويعده بذلك بعد أربع سنوات "إن شاء الله".
كما أن الديمقراطية تقتضي حل مجلس النواب وتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها لأن هذا المجلس كما هو معلوم تمت تزكيته في ظروف انعدمت فيها كل إمكانية لانتخابات حرة. إلا أن الوزير الأول أكد في الندووة الصحفية قائلا:" أما الانتخابات التشريعية فلم يمضي وقت طويل على تنظيمها ونحن نحرص على التواصل لذلك فالانتخابات السابقة لأوانها غير واردة تماما. لكن وبعد صدور قانون الأحزاب علينا إيجاد صيغ لتشريك الأحزاب في عمل الحكومة وعمل المؤسسات". إذن فالتواصل هو الأساس بالنسبة لـ"العهد الجديد" وحق الشعب في ممارسة سيادته تبقى مجرد وعود لن تعرف التحقيق.
ومهما كان عدد الأحزاب القانونية التي سيتم تشريكها في مجلس النواب وكيفما كانت الطريقة فلن تعوض في شيء حق الشعب في اختيار نوابه في البرلمان وشهداء 9 أفريل شاهدون على ذلك.
2) حول المسألة النقابية:
لم يكن خاف عن السيد زين العابدين بن علي ولا على السيد الهادي البكوش أن "الشرفاء" افتكوا دور الاتحاد بمعونة أناس غرباء عن العمل النقابي وبدعم مباشر من قوات الأمن، وتشهد على ذلك الإيقافات العديدة في صفوف النقابيين وطرد ما يناهز عن 500 من الشغل. وخطاب محمد مزالي من أعلى منبر في مجلس النواب حول الأزمة النقابية والقولة المشهورة "عاد الدر إلى معدنه" و"الثورة الثالثة" (إرجاع الاتحاد إلى حضيرة الشعب)، فهل يعني هذا أن القضية من "مشمولات النقابيين ولا تتدخل السلطة في شؤونهم؟".
إن إجراء ديمقراطيا يفرض اليوم حل النقابات غير الممثلة وإرجاع الاتحاد إلى أصحابه الشرعيين.
3) حول الوضع في الجامعة:
إن معالجة الوضع في الجامعة يقتضي لا فحسب مراجعة البرامج التعليمية والتي ليست موضوع حديثنا بل السماح للطلبة ببناء نقابتهم –الاتحاد العام لطلبة تونس- والدراسة في كنف الحرية وذلك بإلغاء سلك وقانون الحرس الجامعي. كما تقتضي إلغاء قانون تحديد الترسيمات وتحسين أوضاع الطلبة الدراسية والمادية (ترفيع المنحة وتحسين الأكلة والمسكن والنقل).
4) حول العفو التشريعي العام:
لقد أعلن رئيس الدولة الجديد في بيانه أنه" لا مجال للظلم والقهر"، لكن وجود قوانين تصادر الحريات بما في ذلك القوانين التي هي بصدد المراجعة كقانون الصحافة كانت سلطت على قوى سياسية ونقابية عديدة، فمن مناضليها من هو في السجن أو يعيش في الغربة أو مطارد، ناهيك وأن خمسين مناضلا من حزبنا –حزب العمال الشيوعي التونسي- الذي فرضت عليه ظروف انعدام الحريات السياسية النضال في اللاقانونية قد حوكموا بتهمة الانتماء لجمعية غير مرخص فيها وتوزيع مناشير... (قانون الصحافة وقانون الجمعيات) وصدرت في شأن البعض منهم أحكاما قاسية وصلت العشر سنوات. وتعرض الذين اعتقلوا إلى التعذيب وصل حد الموت بالنسبة للرفيق نبيل البركاتي. وسبقتنا مجموعة ما أطلق عليه "التنظيم السري" منذ عهد "التفتح" وما زال حمادي بن يحيى آخر عناصره يقبع في السجن إلى الآن.
إن وضع حد لكل هذه المظالم يستوجب خطوة جريئة تتمثل في سن عفو تشريعي عام. وعوض أن تتخذ مثل هذه الخطوة قال الوزير الأول في الندوة الصحفية:" في خصوص العفو فإن التونسيين الموجودين بالخارج والمحكوم عليهم سيسعفون عند عودتهم بالسراح الشرطي في انتظار أن تقول فيهم المحاكم كلمتها بتأكيد الحكم أو إلغائه وبإمكانهم طرح مشكلتهم أمام العدالة التي ستنظر فيها بكل تفهم. أما بالنسبة للبقية (غير المحكوم عليهم) فهم أحرار فتونس بلدهم.(...) أما العفو فسننظر في الحالات واحدة بواحدة وبتفهم كبير"، في حين تم الإعلان عن عفو جبائي عام لفائدة كبار الرأسماليين.
لقد طالبت الحركة الديمقراطية في بلادنا منذ أواخر الستينات ومازالت تطالب إلى اليوم بالعفو التشريعي العام، وقابلها "العهد الجديد" بالنظر في "الحالات واحدة بواحدة".
وعلى أساس تقييم الأوضاع العامة بالبلاد والمستجدات يعتبر حزب العمال الشيوعي التونسي أن إصلاحات سياسية جوهرية يجب أن تجرى على شكل سلطة الدولة وذلك بمراجعة دستور البلاد وما يضمن ممارسة الحريات السياسية وإدخال الإصلاحات الاقتصادية الضرورية التي من شأنها تحميل الأزمة للمتسببين فيها والتفريج على كربة الشعب، ويطالب باتخاذ الإجراءات السياسية العاجلة التالية:
1) إطلاق سراح المساجين السياسيين والنقابيين وتسريح المجندين إجباريا وإرجاعهم إلى دراستهم أو شغلهم مع التعويض وإرجاع المطرودين لأسباب سياسية أو نقابية إلى عملهم مع التعويض، وغلق "رجيم معتوق" و"مطروحة1و2" التي استعملت كمحتشدات للشباب المعارض، وإيقاف التتبعات في شأن المتهمين في قضايا سياسية أو نقابية ورفع إجراءات التوقيف عن الكتب والآثار الأدبية والفنية والصحف والمجلات وسحب البوليس من الجامعة.
2) سن قانون عفو تشريعي عام.
3) حل مجلس النواب وإجراء انتخابات تشريعية وبلدية سابقة لأوانها وإجراء انتخابات رئاسية ومراجعة الدستور بما يضمن الحرية السياسية للشعب.
4) إلغاء القوانين المنافية للدستور كقانون الجمعيات وقانون الصحافة والقانون المحدث لمحكمة أمن الدولة وتعويضها بقوانين حامية للحريات.
5) إلغاء حكم الإعدام.
6) إرجاع الاتحاد العام التونسي للشغل لأصحابه الشرعيين وتمكين الطلبة من إعادة بناء منظمتهم النقابية –الاتحاد العام لطلبة تونس-.
حزب العمال الشيوعي التونسي
15 نوفمبر 1987
تعليقات
إرسال تعليق