مهذب السبوعي : رسالة خاصة الى رفاق الدرب في حزب العمال الشيوعي التونسي
لم يكن لشخص مثلي قضّى الجزء الأكبر من حياته، مساهما رفقة ثلّة من رفاق درب في مقارعة الاستبداد، لم يكن لي أن أتغيّب عن حضور المؤتمر الصحفي الأوّل لحزب العمّال الشيوعي التونسي الذي انتظم اليوم 23 مارس 2011، لو لم يكن المانع مُعيقًا. لقد ألزمني المرض اللّعين، الفراش، وحال بيني وبين رفاق خبرتهم سنوات العسف الطوال، مُمسكين على الجمر مُقبلين غير مدبرين. في مثل هذا اليوم الذي يتوّج فيه تاريخ حافل بالمعاناة كنوع من الاعتراف الرمزي، في سبيل الانتقال إلى أشكال جديدة من النضال، في مثل هذا اليوم وجدتُ نفسي ـ رغما عن إرادتي ـ متأخّرا عن نيل الجائزة ممّا جعلني منذ صباح هذا اليوم أعيش نوعا من الانطواء المرضي لم تنتشلني منه سوى اتصالات هاتفية من الرّفاق الأعزّاء: شفيق العيّادي والجيلاني الهمّامي وحمّة الهمّامي، الذين أكّدوا لي أنّي كنت اليوم معهم. لحظتها أدركت أنّه ليس للمسافة ولا للمرض أن تقطع المُريدُ عمّا يريد، مثلما لم تفلح السجون سابقا في ذلك. اليوم مرّت أمام ناظري سنوات الجمر بشخوصها وأحداثها، بمعاركها الكبرى والجانبية. ذكرت رفاقا مازال وجودهم حيّا بداخلي، بأسمائهم الحقيقية والمستعارة، بخصالهم الفريدة التي تميّزهم. ذكرت من تربّيت على أيديهم في "اتّحاد الشباب الشيوعي التونسي" تلميذا وشاركتهم المهمّة طالبا. ذكرت رفاق الحزب الذين كانوا إلى جانبنا في اتحاد الشباب، نماذج استثنائية للمناضلين الذين وهبوا عمرهم لما يؤمنون به. أذكر اليوم أحداثا كبرى عشناها معا، كانت فيها المواقف التي عبّر عنها الحزب جليّة لا لبس فيها أثبتت الأيام صدقيتها. مثال ذلك يمكن أن أسرد؛ قراءة الحزب لحدث السابع من نوفمبر قبل حدوثه، قراءة الحدث لحظة حدوثه ونوع التعاطي معه بعد حدوثه، وهو الأمر الذي جعل الحزب استثناء لم تنطل عليه الحيلة ولم ينبهر بالانسياق القطيعي الأعمى الذي طغى على الغالبية الساحقة من الطيف السياسي. كما يمكن أن أسرد المحطّات التالية، مثل الصراع بين السلطة والتيار الاسلامي والموقف من ذلك، ثمّ الحملات الأمنية المتلاحقة التي شملت مناضلي الحزب ورموزه وأصدقائه، والتي امتدّت حتّى اليوم الأخير من الوجود السياسي لبن علي. في مثل هذا اليوم، وبالنسبة لواحد مثلي أقعده المرض، ليس لي إلا أن أستردّ الماضي لنستلهم الآتي. في مثل هذا اليوم ليس لنا إلاّ أن نذكر رفاقا مضوا على الدرب وأناروا السبيل، نذكرهم نماذج تستنهض العزم وتقول أنّ البناء الفعلي آن أوانه؛ نذكر نبيل البركاتي الذي يذكّرنا دوما أنّنا بذلنا من أجل دربنا دما مدرارا. نذكر فاطمة البحري (رتّا) والشّاعر والمناضل الفاضل الطاهر الهمّامي وغيرهما ممّن فارقونا بالموت الذين لهم علينا دين لابدّ من الايفاء به. نذكر الرفاق الأحياء بيننا والذين قضّوا عمرهم بين السجن والتخفّي والذين لهم علينا حقّ الاحساس بأنّ تضحياتهم لم تذهب أدراج الرياح. في مثل هذا اليوم ليس لي إلاّ أن أقول للرفاق الذين اتصلوا بي، أنّ سؤالهم في هذا اليوم بالذات كان له عندي وقعا خاصّا، وليس لي إلاّ أن أستعيد ما قاله شهيد الحرّية نبيل بركاتي؛ "الحياة تطول أو نقصر، تلك أمور نسبية، المهم ما يفعله الإنسان، ما يتركه من أثر". هذا فقط ما أردت قوله بهذه المناسبة وإلى محطات أخرى على درب الحرّية رفيقكم مهذّب السبوعي
تعليقات
إرسال تعليق