البديل :أي مجلس تأسيسي نريد؟وهل أن تنظيم الانتخابات يوم 24 جويلية يخدم حقا مصلحة الشعب؟

أي مجلس تأسيسي نريد؟
وهل أن تنظيم الانتخابات يوم 24 جويلية يخدم حقا مصلحة الشعب؟

تشهد الساحة السياسية هذه الأيام جدلا واسعا حول موعد تنظيم انتخاب المجلس التأسيسي. ومن المعلوم أن الرئيس المؤقت كان قد حدد يوم 24 جويلية القادم موعدا لذلك دون استشارة أي طرف. ثم أعلن بعد ذلك رئيس الحكومة الانتقالية وبعض رموز القوى السياسية (حركة النهضة، الحزب الديمقراطي التقدمي، حركة التجديد، وبعض تفريخات "التجمع الدستوري") ورئيس "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة" تمسكهم بهذا التاريخ.

وقد برر هؤلاء موقفهم بــ"الحرص على خدمة مصلحة الشعب" و"الخروج بالبلاد من الوضع الانتقالي في أسرع وقت" و"تمكينها من مؤسسات مستقرة"و"التسريع بإعادة العجلة الاقتصادية إلى دورانها". ولم يتردد البعض على غرار الوزير الأول ورئيس "الهيئة العليا" وممثل "حركة النهضة" في هذه "الهيئة"، في اتهام من يطالب بتأخير موعد الانتخابات إلى تاريخ لاحق بــ"تقديم المصلحة الحزبية الضيقة على المصلحة العامة" أو بـ"رفض الديمقراطية وعرقلة مسارها"، الخ.

فما هو نصيب هذا الكلام من الحقيقة؟ وهل أن المطالبة بالتعجيل بانتخاب المجلس التأسيسي في شهر جويلية القادم تهدف فعلا إلى خدمة مصلحة الشعب بينما المطالبة بالتأخير تخدم مصالح فئوية ضيقة؟. للإجابة عن هذا السؤال لا بد من التأكيد أولا على أن أهمية إنجاز هذا المشروع يتطلب، بالنسبة إلى كل من يعي أهميته، توفير جملة من الشروط لأن الأمر لا يتمثل في انتخاب مجلس تأسيسي بأي ثمن كان بل بانتخاب مجلس تأسيسي يكرس أهداف الثورة. ويتمثل الشرط الأول في تمكين الشعب التونسي من الظروف الملائمة التي تسمح له باختيار نوابه وهو على دراية تامة بالرّهانات المطروحة وبالأجوبة التي يقدّمها كل طرف سياسي لها. وهنا نتوجه بالسؤال إلى المتمسكين بموعد 24 جويلية الذي كما قلنا لم يستشر حوله أحد ولم يؤخذ فيه بعين الاعتبار سوى أنه يواتي عشية ذكرى إعلان الجمهورية التي أسسها بورقيبة وجماعته، هل أنهم أخذوا بعين الاعتبار مئات الآلاف من التلاميذ والطلبة الذين سيكونون منشغلين إلى حدود شهر جويلية بالامتحانات؟ هل أن هؤلاء سيهتمون بالمراجعة أم بالنقاشات والحملات الانتخابية؟ وإذا لم يتمكنوا من مواكبة النقاشات والمطارحات فعلى أي أساس سيختارون؟

إن ما قلناه عن التلاميذ والطلبة ينطبق على الأساتذة والمعلمين الذين سينهمكون منذ العودة من عطلة الربيع في إتمام البرامج ثم في الإصلاح. ولا نخال العائلات ستكون بمنأى عن جو الامتحانات حين يكون لها بنت أو ابن معني بها. وإلى ذلك فإن الجميع يدرك أن شهر جويلية هو شهر العطل والانتقال من جهة إلى جهة كما أنه سيكون هذه السنة بالخصوص شهر قضاء بعض الشؤؤن العائلية مثل الأعراس لأن رمضان سيحل في شهر أوت. ولا ننسى بطبيعة الحال مئات الآلاف من الشبان الذين ليست لهم بطاقات تعريف بالمرة أو أنهم يحملون بطاقات تعريف قديمة يلزم تجديدها.

هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن إجراء الانتخابات في مناخ مناسب يقتضي كما بينا ذلك أكثر من مرة تطهير الإدارة والإعلام والقضاء والحل الفعلي لجهاز البوليس السياسي وهي كلها أمور لم تنجز أو أنها أنجزت شكليا من حكومة تتبنى مطالب الشعب لتفرغها من محتواها خدمة لمصالح الرجعية. وأخيرا وليس آخرا فلا بد من حل لمسألة التمويل يضمن شفافية الانتخابات ونزاهتها حتى لا يعوض التزوير بواسطة البوليس والإدارة بالتزوير بواسطة المال.

كل هذه المعطيات تبين أن الإسراع بإجراء الانتخابات لا يخدم مصالح الشعب بل مصالح حزبية ضيقة، فالبعض ("التجمعيون" مثلا) يريد الإسراع حتى يتجنب المحاسبة ويستغل تغلغله في الأجهزة، والبعض الآخر يريده حتى يتجنب الخوض في القضايا الجوهرية وهلم جرا. ويتذرع هؤلاء جميعا بضرورة الإسراع بإنهاء الفترة الانتقالية وتسليح البلاد بمؤسسات شرعية للعودة إلى السير الطبيعي للحيـــــاة الاقتصادية والسياسية. ولكن عن أي مؤسسات يتحدث هؤلاء؟ عن مؤسسات تمثل إرادة الشعب وتحقق أهداف الثورة أو عن مؤسسات تعود بالبلاد إلى ما قبل 14 جانفي؟ ذلك هو السؤال الحقيقي. ومهما يكن من أمر فإن حزب العمال سيواصل النضال من أجل تأخير الانتخابات إلى شهر أكتوبر القادم خدمة لمصلحة الشعب وشبابه ونسائه ورجاله، ولكن إذا فرض عليه موعد 24 جويلية فإنه سيكون جاهزا للمعركة ليخوضها معهم وبمساندتهم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معلقة القدس في كف بغداد - للشاعر التونسي ادم فتحي

الاشتراكية أو البربرية : حمة الهمامي

خطير جدا تونس تتحول الى مزبلة نفايات مشعة و معفاة من الاداء الجمركي ..لن نسمح بأن تكون تونس مزبلة نفايات البلدان المتقدمة