هل الأحزاب في قطيعة مع الجهات؟ ملف الأسبوعي I

ملف الأسبوعي I


هل الأحزاب في قطيعة مع الجهات؟

رغم اتفاق الجميع على كون الطفرة الحزبية التي تعيشها في البلاد هي إحدى روافد الديمقراطية التي نسعى لترسيخها وإرسائها في تونس ما بعد الثورة فإن عدد الأحزاب تجاوزالخمسين وهذا لا يمكن أن يحجب حقيقة مفادها أن هذه الأحزاب ورغم مرور أسابيع على تأسيسها قانونيا عاجزة واقعيا عن التحرّك قيد أنملة من مكانها..

فقياداتها غير معروفة بالشكل الكافي وبرامجها غير واضحة و الأهمّ أن تواصلها مع الجماهير يكاد يكون منعدما. وهنا نستثني الأحزاب ذات الثقل التاريخي الذي خوّلها لتتبوأ الصف الأمامي في المشهد الحزبي في تونس معوّلة في ذلك على رصيدها التاريخي وسنوات نضالها الطويلة وحتّى على «مشروعية المظلومية» والبكائيات الجاهزة لاستدرار عطف وتعاطف الجماهير..

عندما اتصلنا ببعض الجهات عبر مناضليها وأعضاء مجالس حماية الثورة فيها كان المشهد في العموم متقاربا بين القصرين و قفصة وسيدي بوزيد؛ هذه المناطق المحرومة التي اندلعت فيها شرارة الاحتجاجات والثورة ضدّ الجور والاستبداد لم يتغيّر التعاطي الحزبي معها بعد الثورة. فالأحزاب المتجذّرة منذ ما قبل الثورة ظلت محافظة على ثباتها الى ما بعد الثورة.

أما الأحزاب حديثة الوجود وجديدة التأشيرة فهي تحلّق بعيدا عن الجهات وتكتفي بالمركز أي العاصمة التي تتحصّن بها وتحاول من خلالها الاستقطاب والتعبئة.

«الأسبوعي» ارتأت فتح الملف من خلال طرح رؤى ومواقف كل الأطراف..

ملف من إعداد: منية العرفاوي

نوفل معيوفة (المجلس الجهوي لحماية الثورة بقفصة)

الأحزاب الموجودة في الجهات لها مشروعية تاريخية

في السنوات الأخيرة شكّلت ولاية قفصة بؤرة للكثير من الاحتجاجات الشعبية كانت مطالبها اجتماعية بالأساس بالنظر لما تعيشه الجهة من اختلال كبيرعلى مستوى التنمية أساسا واحتدمت الاحتجاجات ابان الثورة ووصلت حدّ سقوط شهداء.وحتى بعد الثورة فإن جذوة هذه الاحتجاجات لم تخمد لأن الأهالي كانوا يطمحون أن تبادر السلط الجهوية والمركزية باتخاذ خطوات عملية تقطع مع الاستبداد وتتيح الفرصة لأبناء الجهة للتمتّع بخيراتها وخاصّة بالفسفاط. ورغم أن الأداء الحكومي على مستوى جهة قفصة اتسم ببعض التذبذب فأن ما يميّز جهة قفصة هو التفاف الكثير من المنظمات والجمعيات الحقوقية وبعض الأحزاب حولها منذ احتجاجات الحوض المنجمي واستمرهذا الوضع الى ما بعد الثورة..

«الأسبوعي» اتصلت بنوفل معيوفة، عضو المجلس الجهوي للثورة بقفصة، وهو عامل كذلك بالمجمع الكيمياوي بالمظيلة ومن مناضلي حركة الوطنيين الديمقراطيين لمعرفة حجم التواجد الحزبي بجهة قفصة..

ثلاثة أحزاب تحظى بالثقة..

بالنسبة للأحزاب التي تنشط في جهة قفصة أكّد لنا نوفل المعيوفي: «هناك عدد قليل من الأحزاب التي تنشط فعليا على مستوى ولاية قفصة وأبرزها حزب العمّال الشيوعي وحركة البعث والنهضة والحزب الديمقراطي التقدّمي..أمّا بالنسبة لحركة التجديد فرغم عراقتها فوجودها ما زال محتشما»و..أمّا بالنسبة للمقرّات فمحدّثنا يقول: «عموما الأحزاب الناشطة فعليا هي أحزاب لديها مقرات على مستوى الجهة ومنها خاصّة حزب العمّال الشيوعي وحركة النهضة والحزب الديمقراطي التقدّمي وحزب التكتّل من أجل الحريات والعمل»وحول أهمّ الشخصيات السياسية التي زارت قفصة بعد الثورة أكّد محدّثنا أنها بالخصوص شخصيات حزبية وسياسية ومنها مصطفى بن جعفرالذي أشرف على اجتماع عام بدارالثقافة بقفصة وحضره الكثير من المتتبعين للشأن السياسي وكذلك أتت سهام بن سدرين رغم أن الحضور كان متواضعا..»وحول سبب تواجد أحزاب معينة بجهة قفصة دون أحزاب أخرى أكّد محدثنا على كون هذه الأحزاب لها الشرعية التاريخية باعتبارأنها إبان احتجاجات الحوض المنجمي التحمت بالأهالي وتبنّت مطالبهم المشروعة وشعرت بفداحة ما لحقهم من حيف».

وحول تعاطي ممثلي الأحزاب بالجهات مع الفئات الشعبية أكّد محدّثنا أن هناك اتصالا يوميا ومباشرا بين هذه الأحزاب عن طريق مناضليها وبين الأهالي بحيث يقع الإصغاء الى مطالبهم ومقترحاتهم مع محاولة طرح أفكار ورؤى مختلف الأحزاب في اطار من التفاعل الإيجابي»..

نحن بالمرصاد..

تبقى المجالس الجهوية للثورة من الهياكل التي أنيطت بعهدتها بعد الثورة مسؤولية جسيمة لأن المطلوب منها أن تبقى متيقظة وتحرص على التصدّي لكل ما يمكنه أن يمسّ بمكتسبات الثورة وفي هذا السياق أفادنا المعيوفي «أن مجلس الثورة بقفصة رغم أن نصابه لم يكتمل باعتبار أن هناك معتمديات لم تلتحق بالمجلس بعد لأسباب يطول شرحها غير أن من أبرز أهداف المجلس هوالتأسيس لنهضة اجتماعية وسياسية بالجهة».

استقطاب غير متوازن..

وبالنسبة الى طريقة التعبئة والاستقطاب التي تقوم بها الأحزاب لحشد التأييد يقول محدّثنا: «في الحقيقة هناك عدم توازن على مستوى الاستقطاب باعتبار أن المصلين مثلا يمثلون هدية للنهضة التي تعمل على استقطابهم من خلال التأثير عليهم في المساجد ومنابر العبادة وبالتالي هناك إخلال كبيرعلى مستوى التعبئة الجماهيرية والتي كان المتضرّرالكبير منها باقي الأحزاب التي لا تحتكر المساجد»..

تكاثر الأحزاب إفراز طبيعي للثورة

وإذا كانت الأحزاب الناشطة فعليا على مستوى العديد من الجهات هي تلك التي لها ثقل تاريخي فان السؤال الذي يطرح نفسه هو ما فائدة هذه الطفرة الحزبية التي نعيشها اذ لم تكن قادرة على التواصل مع مختلف الجهات؟ وعن ذلك يجيب محدّثنا بقوله: «هذه الطفرة الحزبية هي علامة صحية وافرازطبيعي للثورة لكن الإشكال المطروح هوأن هذه الأحزاب هي بصدد أخذ فرصتها كاملة؟ وما مصيرالأحزاب «التجمعية» التي تتكوّن الآن بتسميات أخرى..كما أن المعضلة ليس في غياب أووجود برامج للأحزاب بل في تفعيل هذه البرامج والسعي لتطبيقها للاستجابة لتطلعات الشرائح الاجتماعية».

وعن مدى امكانية انشاء حزب جهوي يعبّرعن تطلّعات جهة بعينها أكّد المعيوفي «انشاء حزب على أساس جهوي مرفوض لاعتبارات موضوعية. فالحزب من المفترض أن يعبّر عن شريحة أو شرائح شعبية على كامل تراب الوطن وأن لا يقتصر وجوده على مدينة دون أخرى..فالحزب الجهوي في الحقيقة لا يعبّر عن الممارسة الديمقراطية ويبقى الحزب رؤية ناضجة لشريحة اجتماعية ما لتحقيق أهداف سياسية».

فتحي الصغروني (المجلس الجهوي لحماية الثورة بسيدي بوزيد)

جل الأحزاب حاضرة بالغياب

انطلقت شرارة الثورة الأولى من سيدي بوزيد وخلّدت البوعزيزي كرمز لها..اليوم سيدي بوزيد كغيرها من الولايات التي شاركت بفاعلية في أحداث الثورة تحاول النهوض من جديد وتجاوز سنوات بن علي العجاف والتي انحدرت فيها مستويات التنمية و ارتفعت فيها مؤشرات البطالة و هو ما ولّد الانفجار لاحقا.. ولئن كان الأداء الحكومي الى حدّ الان محتشما على مستوى الجهات ناهيك أن ثلاث حكومات متعاقبة لم يكلف أي عضو منها نفسه مشقة التنقّل الى هذه الجهات المنكوبة أمّا عن الأحزاب فلا تسأل فمن بين 50 حزبا ناشطا هناك 6 أحزاب تنشط على صعيد جهة سيدي بوزيد..ولمزيد تسليط الضوء عمّا تقدّم اتصلت «الأسبوعي» بفتحي الصغروني وهو معلم ونقابي ومستقل سياسيا الى جانب كونه عنصرا فاعلا في المجلس الجهوي لحماية الثورة بسيدي بوزيد..

أوضاع متردية.. بلا حلول

لا شكّ أن المجالس الجهوية للثورة تحظى بثقة الأهالي بالنظر الى نشاطها على مستوى الجهة ومجلس حماية الثورة بسيدي بوزيد ينطبق عليها ما تقدّم وحول الأهداف التي من أجلها تكوّن المجلس الجهوي يقول فتحي الصغروني «لجنة حماية الثورة بسيدي بوزيد تتكوّن من 21 عضوا يمثلون كل الحساسيات السياسية و كل الأطياف بالجهة ومن أهم الأهداف التي وضعناها نصب أعيننا هو احداث -صلب المجلس- لجنة متابعة ومساندة أهالي سيدي بوزيد وذلك منذ 18 ديسمبر أي قبل فرار بن علي وأوّل بيان أصدرناه كان يوم 20 ديسمبر وأوّل ندوة صحفية كانت بمقرّ الحزب الديمقراطي التقدمي بتونس يوم 23 ديسمبر..وبعد نجاح الثورة وبالتحديد يوم 15 جانفي قمنا باجتماع شعبي عام دعونا فيه الأهالي لمقاومة الشغب والتصدّي للانفلات الأمني والمحافظة على الأملاك العمومية واجتثاث فلول التجمّع من الجهة..وبعد استقرار الأوضاع تغيرت البرامج بحيث أصبحت من أولوياتنا مراسلة السلط المعنية حول الأوضاع المستجدة في سيدي بوزيد وابراز المشاكل التي تعاني منها الجهة مع المطالبة بمحاسبة رموز الفساد وفتح ملفاته..بالاضافة الى ايلاء التنمية ما تستحقه من عناية باعتبارها أهم روافد النهوض بالجهة وللغرض عقدنا ندوة يوم 26 مارس المنقضي تحت عنوان «التنمية: الواقع والاستحقاقات بسيدي بوزيد..» وتمخّضت عنها توصيات بحضور بعض المسؤولين الجهويين وكان من أبر النتائج الموضوعية التي خرجنا بها هو كون سيدي بوزيد قطبا فلاحيا مهمّشا وبامكانها أيضا أن تكون قطبا صناعيا هاما لما تمتاز به من مواد أولية مثل الفسفاط والجبس والصناعات التحويلية الى جانب ذلك فسيدي بوزيد هي مموّل للكثير من مصانع الحليب لكن ولا مصنع موجود في سيدي بوزيد..كما أكّدنا على ضرورة تسوية وضعية الأراضي الفلاحية التي تعدّ بالاف الهكتارات بالجهة فالأهالي يملكون منذ 100 سنة بدون شهادات ملكية لعجزهم عن القيام بالمسح».

أحزاب حاضرة بالغياب

واذا كان القرار السياسي يتجه لزاما لانصاف الجهات المنكوبة فانه يفترض أن تكون الأوضاع الداخلية لهذه المناطق من صميم عمل الأحزاب التي ينبغي أن تكون ملتصقة بشواغل الناس لتكون برامجها وأهدافها نابعة من الإرادة الشعبية وحول تواجد الأحزاب في سيدي بوزيد يقول الصغروني «حاليا يتواجد بسيدي بوزيد الحزب الديمقراطي التقدّمي وحركة النهضة وحزب العمّال الشيوعي وحركة البعث وحزب التكتّل وحركة الشعب والوحدويين التقدميين..» وعن مقرّات الأحزاب الموجودة بجهة سيدي بوزيد يؤكّد محدثنا «بأن هناك بعض الأحزاب التي تنشط في الجهة من خلال مناضليها لكن دون أن يكون لها مقرات..وهناك أحزاب أخرى لها مقرّات كالحزب العمّالي الشيوعي وحركة البعث والحزب التقدّمي الديمقراطي وحركة النهضة»..

مزار للشخصيات السياسية

رمزية سيدي بوزيد التي احتضنت شرارة الثورة جعلت منها قبلة ومزارا للعديد من الشخصيات الوطنية وحتى العالمية السياسية وغير السياسية..واختلفت غايات من ذهبوا فبين تلميع الصورة واستقطاب المؤيدين كانت تتمحور مختلف الزيارات..وعن ذلك يقول فتحي الصغروني «لقد كان هناك اتفاق ضمني بين الأهالي أن يتمّ استقبال أي رمز سياسي في كنف الاحترام والتقدير..وقد زار سيدي بوزيد الكثيرون منهم الدكتور مصطفى بن جعفر أمين حزب التكتّل والذي كان في استقباله العديد من القوى التقدمية في المركّب الثقافي بوبكر القمودي بسيدي بوزيد وأحمد بن صالح من حركة الوحدة الشعبية ورغم أن تجربة التعاضد التي قادها بن صالح بداية السبعينات محلّ جدل وأثارت ردود فعل مختلفة من الحضور غير أن اللقاء لم يخرج عن أصوله المتعارفة..كما زار راشد الغنوشي سيدي بوزيد كذلك زارنا أحمد نجيب الشابي الذي شابت حضوره بعض الاحترازات لمشاركته في حكومة الغنوشي ولتعامله مع اعتصام القصبة غير أن العقلاء تدخلوا وكان تعاطي الشابي مع الموقف فيه الكثير من الحنكة بحيث اجاب عن الأسئلة الاستفزازية دون تشنّج..ويبقى حمّة الهمامي من أبرز الشخصيات التي زارت سيدي بوزيد ووجدت حفاوة كبيرة من الأهالي وتفاعلا ايجابيا في مجمله»..

وحول سؤالنا ما اذا كانت الأحزاب الجديدة قادرة على الاستمرارية وهي لا تأخذ بعين الاعتبار الجهات والمناطق الداخلية أكّد الصغروني أن الكثير من الأحزاب سوف تندثر لأنها لم تستطع تثبيت أقدامها مركزيا وجهويا بالاضافة الى غياب البرامج الواضحة وحتّى الأمناء العامون لهذه الأحزاب لا يعرفهم الناس»..

الدين للّه والوطن للجميع

كغيرها من الولايات الداخلية تعاني سيدي بوزيد من استئثار بعض الأحزاب بالمساجد ومنها خاصّة النهضة التي تستغّل المساجد حسب محدّثنا للدعاية السياسية وعن ذلك يقول «لقد بات استغلال المنابر الدينية للدعاية السياسية واضحا في مساجد سيدي بوزيد وهو ما أثار امتعاض المواطنين وكذلك مناضلي الأحزاب الأخرى التي ترى أن في ذلك استغلالا لفضاءات مقدسة على حسابها..فمن الضروري أن يكون الدين لله والوطن للجميع وللعبادة أماكنها وللسياسية أماكنها..فبعض الأيمة المحسوبين على النهضة يحاولون الدعاية السياسية والتعبئة والاستقطاب لهذه الحركة من خلال المساجد»..

وباعتبار أن التمثيل الجهوي للأحزاب المركزية ما زال محتشما ويقتصر على الأحزاب التي لها ثقل تاريخي فاننا سألنا محدثنا ما مدى فاعلية قيام حزب جهوي فأكّد على أنه ضدّ أن يكون هناك حزب جهوي لأنه لن يضيف الكثير ونحن لا نريد انقسامات جهوية أو عروشية في تونس».

طفرة حزبية ولكن...

ساسي بوعلاقي (المجلس الجهوي لحماية الثورة بالقصرين)

المصلون امتعضوا من تسييس المساجد!

أكثر من ثلاثة أشهر مرّت على سقوط نظام المخلوع بعد أيام دامية شهدت تفاصيلها خاصة ولاية القصرين التي كانت على موعد مع التاريخ لصنع مشهد سياسي جديد في البلاد، ورغم ذلك يشعر أهالي الجهة أنهم رغم دفعهم للغالي والنفيس من أجل واقع اجتماعي واقتصادي وسياسي أفضل.. فإن الاوضاع المعيشية المتردية لم تتغير وأن الواقع استمر متأزما دون بوادر فعلية للتغيير.. كما يعتقد الاهالي أنه تقريبا هناك تعاطي احادي على المستوى السياسي يقتصر على بعض البرامج الحكومية التي لازالت محتشمة ولم ترتق الى تطلعات الجهة.. أما فيما يتعلق بالاحزاب وتعاطيها مع جهة القصرين سواء على مستوى البرامج المطروحة أو فيما يتعلق بالتواصل المباشر من خلال القيادات السياسية المركزية خاصة فإنه مازال دون المأمول ورغم أن عدد الاحزاب فاق الخمسين حزبا فإنه لا ينشط على المستوى الجهوي تقريبا الا 5 أحزاب وهي خاصة الاحزاب التي لها ثقل تاريخي وسنوات طويلة من النشاط الفعلي.. أما بالنسبة للاحزاب الجديدة فإنها تبقى بعيدا تطل على الجهة من برج العاصمة.. «الأسبوعي» اتصلت بساسي بوعلاقي وهو معلم تطبيق أول ونقابي وقيادي جهوي في حزب العمال الشيوعي بالاضافة الى كونه عضوا بالمجلس الجهوي للثورة بالقصرين وبهذه الصفة أبدى مواقفه في العديد من المسائل التي طرحت عليه في سياق ما تقدم.

حول أهدافا وبرامج مجلس الثورة بالقصرين، يقول ساسي بوعلاقي: «منذ البداية وضعنا نصب أعيننا اهداف واضحة وتتعلق خاصة بحماية الثورة التي سالت دماء أبنائنا من أجلها، ومن أجل ذلك عملنا على مقاومة فلول التجمع وبقاياه وممثليه على المستوى الاداري في الجهة.. مع المطالبة بمحاسبة المدنيين في حق الاهالي ومعاقبة المفسدين والمجرمين بالإضافة الى الدعاية الى حرية التعبير والتفكير.. علما وأننا لتحقيق أهداف الثورة شكلنا لجانا جهوية تنظر في الملفات العالقة كاللجنة الجهوية لتقصي الحقائق ولجنة الشهداء ولجنة متابعة الفساد».. وبالنسبة لسؤالنا حول الاحزاب السياسية التي تنشط في جهة القصرين أكد محدثنا :«على مستوى جهة القصرين ورغم الحراك الاجتماعي والسياسي الموجود فإن الاحزاب الناشطة هنا يكاد عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة رغم ما نسمعه عن تجاوز عددها الخمسين.. وهذه الاحزاب هي الحزب العمال الشيوعي والحزب الديمقراطي التقدمي والنهضة وحركة الوطنيين الديمقراطيين وحركة الناصريين الوحدويين وحركة البعث والحزب الاشتراكي اليساري وحركة التجديد والتكتل الديمقراطي .. مع تفاوت على مستوى الحضور الفعلي.. وحول سؤالنا ما إذا كانت هذه الاحزاب لديها مقرات جهوية لممارسة نشاطها . أجاب بوعلاقي: «ليس كل الاحزاب لديها مقرات في القصرين رغم وجود قيادات جهوية مناضلة لهذه الاحزاب ومن بين ابرز الاحزاب التي لديها قيادات جهوية نجد حركة التجديد والنهضة والتكثل الديمقراطي من أجل الحريات والعمل والديمقراطي التقدمي، والعمال الشيوعي الذي له مقر قديم ونحن الآن بصدد الانتقال الى مقر أكبر وأوسع.

وعن الشخصيات السياسية الوطنية ومنها بالخصوص الوجوه الحزبية التي زارت القصرين ما بعد الثورة أكد محدثنا:« أن من أبرز الشخصيات السياسية الوطنية التي زارت الجهة بعد الثورة هو السيد نجيب الشابي زعيم الديمقراطي التقدمي الذي عقد اجتماعا عاما أواخر مارس المنقضي في القصرين المدينة بحضور مناضلي حزبه على مستوى الجهة غير أن الاجتماع الذي اعتزم عقده في فريانة وفوسانة لم يتم بسبب رفض الأهالي وعدم تفاعلهم مع حضوره... كذلك عقد السيد مصطفى بن جعفر اجتماعا بالمركب الثقافي بالقصرين بحضور ثلة من مناضلي التكتل ومثقفين وممثلين عن التيارات السياسية في الجهة.. ولئن كان الشابي وبن جعفر من أبرز الزعامات الحزبية التي زارت الجهة فإن القيادات الجهوية للأحزاب المذكورة آنفا لم تنقطع عن العمل والتواصل اليومي مع كل الفئات والشرائح الاجتماعية والتنقل حتى الى المناطق البعيدة والنائية رغبة منها في الاقتراب من نبض الشارع والمعرفة عن قرب هموم ومشاغل المواطن البسيط والبعيد عن دائرة القرار السياسي بالإضافة الى التعريف ببرامج كل حزب وكسب أصوات الدعم والعمل على التعبئة والاستقطاب..

تسيّس المساجد... والتهم الجزاف

لاشك أن الاحزاب من أوكد أهدافها العمل على التعبئة الجماهيرية واستقطاب الانصار وجعلهم يلتفّون حول برامج الحزب ويعملون على تحقيق أهدافه، وحول الكيفية التي تتم بها التعبئة في جهة القصرين يقول محدثنا «من الطبيعي أن تشتغل الاحزاب على التعبئة والاستقطاب سواء على مستوى وطني أو مستوى جهوي وبالطبع الاحزاب الناشطة في هذه الجهة لا تشذّ على القاعدة فنحن نبذل أقصى ما في وسعنا للوصول الى الناس.. » سألنا محدثنا بصراحة من من الاحزاب الموجودة والتي تلقى الدعم وتحظى بثقة الاهالي وتعمل على استقطاب أكبر عدد منهم فأكد أن كل الاحزاب تتساوى على مستوى الدعم الشعبي أما فيما يتعلق باكثرها شعبية فهذا ما ستحدده صناديق الاقتراع غير أن محدثنا أبدى نوعا من القلق لممارسات بعض الاحزاب التي تحاول التأثير على الرأي العام الجهوي ومنها حركة النهضة التي تستغل المساجد لطرح أفكارها ورؤاها السياسية وهو ما أثار حفيظة باقي الاحزاب التي أبدت امتعاظا واضحا من هذه الممارسات التي تخل بموازين الدعاية لصالح النهضة باعتبارها تستغل فضاءات العبادة لأغراض سياسية فحتى المصلون أبدوا عدم رضاء عن ذلك باعتبارهم قدموا للمساجد للصلاة والعبادة وليس للأنشطة الحزبية فهم حسب ما صرّحوا لنا يبغون العبادة عند دخولهم للمساجد وليس للسياسة» ويضيف محدثنا: ورغم تأكيد قيادات النهضة على تحييد المساجد غير أن ثنائية الخطاب هي التي تسود ففي الخارج حديث وداخل المسجد حديث آخر». سألنا ساسي بوعلاقي عما قاموا به للتصدي لتلك الممارسة فأكد ان باقي الأحزاب اتفقت فيما بينها على تكوين جبهة ديمقراطية لشذب هذه الممارسات خاصة وأن الامر في المساجد وصل الى حد التطاول على باقي الاحزاب ورشق حزب العمال الشيوعي مثلا بتهم جزافا كالالحاد مثلا وهو ما يشكل إقصاء للآخر لا يخدم المناخ الديمقراطي الذي نحاول جميعا إرساءه». وبما أن الاحزاب المركزية بعيدة عن مشاغل وشواغل المواطن في الجهات سألنا محدثنا عن امكانية تركيز أحزاب جهوية أكد أنه نظريا ممكن غير أنه على مستوى التطبيق العملي يبقى ذلك صعبا لأن أغلب القوى السياسية مركزية لينشر الحزب أفكاره ويحشد له الدعم اللازم ينبغي ان يكون مركزيا وباعتبار محدثنا ناشطا سياسيا وعلى دراية بمشاغل الجهة سألناه عن وتيرة التنمية الجهوية بالقصرين اكد أن المقترحات والبرامج موجودة لكن لا تجد لا آذانا صاغية ولا إرادة سياسية لتجسيدها فنحن اقترحنا احداث معمل الكابل الذي بإمكانه تشغيل حوالي 3000 عاطل عن العمل لكن الى اليوم لا من مجيب لما نطمح له.. كما أنه لدينا الكثير من الاراضي التي لا ينقصها الا الاستصلاح الزراعي لتكون ذات انتاجية عالية ومشغلة لليد العاملة ونفس الشيء ينطبق على المشاريع الصناعية التي نفتقدها في الجهة رغم سهولة انجازها.. وحتى المخزون السياحي أهمل لغضّ المسؤولين النظر عنه»..

فتحي الصغروني (المجلس الجهوي لحماية الثورة بسيدي بو زيد)

أحزاب حاضرة بالغياب

واذا كان القرار السياسي يتجه لزاما لانصاف الجهات المنكوبة فانه يفترض أن تكون الأوضاع الداخلية لهذه المناطق من صميم عمل الأحزاب التي ينبغي أن تكون ملتصقة بشواغل الناس لتكون برامجها وأهدافها نابعة من الإرادة الشعبية وحول تواجد الأحزاب في سيدي بوزيد يقول الصغروني «حاليا يتواجد بسيدي بوزيد الحزب الديمقراطي التقدّمي وحركة النهضة وحزب العمّال الشيوعي وحركة البعث وحزب التكتّل وحركة الشعب والوحدويين التقدميين..» وعن مقرّات الأحزاب الموجودة بجهة سيدي بوزيد يؤكّد محدثنا «بأن هناك بعض الأحزاب التي تنشط في الجهة من خلال مناضليها لكن دون أن يكون لها مقرات..وهناك أحزاب أخرى لها مقرّات كالحزب العمّالي الشيوعي وحركة البعث والحزب التقدّمي الديمقراطي وحركة النهضة»..

مزار للشخصيات السياسية

رمزية سيدي بوزيد التي احتضنت شرارة الثورة جعلت منها قبلة ومزارا للعديد من الشخصيات الوطنية وحتى العالمية السياسية وغير السياسية..واختلفت غايات من ذهبوا فبين تلميع الصورة واستقطاب المؤيدين كانت تتمحور مختلف الزيارات ..وعن ذلك يقول فتحي الصغروني «لقد كان هناك اتفاق ضمني بين الأهالي أن يتمّ استقبال أي رمز سياسي في كنف الاحترام والتقدير..وقد زار سيدي بوزيد الكثيرون منهم الدكتور مصطفى بن جعفر أمين حزب التكتّل والذي كان في استقباله العديد من القوى التقدمية في المركّب الثقافي بوبكر القمودي بسيدي بوزيد وأحمد بن صالح من حركة الوحدة الشعبية ورغم أن تجربة التعاضد التي قادها بن صالح بداية السبعينات محلّ جدل وأثارت ردود فعل مختلفة من الحضور غير أن اللقاء لم يخرج عن أصوله المتعارفة..كما زار راشد الغنوشي سيدي بوزيد كذلك زارنا أحمد نجيب الشابي الذي شابت حضوره بعض الاحترازات لمشاركته في حكومة الغنوشي ولتعامله مع اعتصام القصبة غير أن العقلاء تدخلوا وكان تعاطي الشابي مع الموقف فيه الكثير من الحنكة بحيث اجاب عن الأسئلة الاستفزازية دون تشنّج..ويبقى حمّة الهمامي من أبرز الشخصيات التي زارت سيدي بوزيد ووجدت حفاوة كبيرة من الأهالي وتفاعلا ايجابيا في مجمله..» وحول سؤالنا ما اذا كانت الأحزاب الجديدة قادرة على الاستمرارية وهي لا تأخذ بعين الاعتبار الجهات والمناطق الداخلية أكّد الصغروني أن الكثير من الأحزاب سوف تندثر لأنها لم تستطع تثبيت أقدامها مركزيا وجهويا بالاضافة الى غياب البرامج الواضحة وحتّى الأمناء العامون لهذه الأحزاب لا يعرفهم الناس»..

الدين للّه والوطن للجميع

كغيرها من الولايات الداخلية تعاني سيدي بوزيد من استئثار بعض الأحزاب بالمساجد ومنها خاصّة النهضة التي تستغّل المساجد حسب محدّثنا للدعاية السياسية وعن ذلك يقول «لقد بات استغلال المنابر الدينية للدعاية السياسية واضحا في مساجد سيدي بوزيد وهو ما أثار امتعاض المواطنين وكذلك مناضلي الأحزاب الأخرى التي ترى أن في ذلك استغلالا لفضاءات مقدسة على حسابها..فمن الضروري أن يكون الدين لله والوطن للجميع وللعبادة أماكنها وللسياسية أماكنها..فبعض الأيمة المحسوبين على النهضة يحاولون الدعاية السياسية والتعبئة والاستقطاب لهذه الحركة من خلال المساجد»..

وباعتبار أن التمثيل الجهوي للأحزاب المركزية ما زال محتشما ويقتصر على الأحزاب التي لها ثقل تاريخي فاننا سألنا محدثنا ما مدى فاعلية قيام حزب جهوي فأكّد على أنه ضدّ أن يكون هناك حزب جهوي لأنه لن يضيف الكثير ونحن لا نريد انقسامات جهوية أو عروشية في تونس».


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معلقة القدس في كف بغداد - للشاعر التونسي ادم فتحي

الاشتراكية أو البربرية : حمة الهمامي

خطير جدا تونس تتحول الى مزبلة نفايات مشعة و معفاة من الاداء الجمركي ..لن نسمح بأن تكون تونس مزبلة نفايات البلدان المتقدمة