اتحاد الشباب الشيوعي التونسي : أحداث القيروان الطلابية درس في النضال


في 1 نوفمبر من سنة 1994 كانت الحركة الطلابية على موعد مع التاريخ، ففي هذا اليوم قرر طلاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان الإضراب احتجاجا على برنامج "إصلاح التعليم" الذي شرع عامها في تطبيقه والذي قال عنه الطلبة وقتها إنه برنامج خراب وتخريب، وهو الذي لم يكن إلا نصيب أبناء الشعب من برنامج "الإصلاح الهيكلي" المملى من طرف صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. لقد قال الطلبة إن هذا البرنامج جاء ليضرب حقهم في تعليم مجاني، ديمقراطي وعلماني، كما جاء ليجعل من الجامعة خلية لخلق ببغاوات لا قدرة لها على التفكير والتركيب والنقد، بل آلات تنفيذ غبية لا غير، وهو ما أكدته السنوات المنقضية التي شهدت تطبيق هذا البرنامج الأم فضلا عن تنقيحات وتعديلات كثيرة مررت تحت يافطات الإصلاح وإصلاح الإصلاح مما أفرز حالة من التخريب الممنهج لقطاع التعليم الذي يقف على جانب كبير منه المستقبل المعرفي والثقافي لشعبنا. إن برنامج إصلاح التعليم العالي (نظام الوحدات) الذي بدأ تطبيقه سنة 1994 هو حلقة من حلقات "إصلاح التعليم" ككل والذي بدأ ببرنامج المدرسة الأساسية وإصلاح التعليم الثانوي ثم العالي، وهي حلقات مترابطة شرع في تطبيقها منذ أواخر الثمانينات. لقد أكدت 10 سنوات من "الإصلاح" خور هذا المسعى وتباينه الكامل مع طموحات الطلبة والمجتمع. لقد خاض الطلاب بقيادة الاتحاد العام لطبة تونس عديد النضالات منذ كان هذا البرنامج مجرد مشروع ويكفي هنا أن نذكر التحركات الكبيرة التي تجند لها عموم الطلبة في شهري أفريل وماي 1993 والتي تركزت على ضرورة إسقاط الفصل 17الشهير الذي كان ينص على "التخرطيش" فـــي المرحلة الثانية وقد انتصرت الإرادة الطلابية وأسقطت هذا البند عبر التعبئة العامــة التي وصلت ذروتها مع عريضة الـ60 الف إمضاء.

لقد كانت السنة الجامعية 94/1995 سنة بداية التطبيق. كانت الحركة الطلابية وقتها منهكة ومقموعة ومجالات فعلها محدودة بمقتضى تداعيات منشور مارس 91 (منشور الشرفي) الذي منع النشاط السياسي وضيّق إلى أبعد حد على العمل النقابي. الاتحاد كان بدوره محاصرا ومستهدفا في وجوده خاصة بعد المؤتمر 21 (نوفمبر 1993) الذي أفرز قيادة مناضلة طرحت على نفسها منذ اللحظة الأولى تصحيح الأوضاع داخل الاتحاد والحركة من خلال إعادة الاعتبار للنضال الميداني والجماهيري تباينا مع خط المهادنة اليمينية الذي تبلور داخل المنظمة الطلابية منذ المؤتمر 20. كانت الأوضاع بصفة عامة صعبة وعسيرة، لكن في مقابل ذلك كانت إرادة الطلاب متحفزة للتصدي والتحدي وخاصة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان التي بلغت فيها التعبئة أوجها منذ أواسط شهر أكتوبر 1994 حيث روج المكتب الفدرالي عديد العرائض ونظم العديد من حلقات النقاش والاجتماعات العامة وعلق العديد من النصوص كما أطر العديد من الاضرابات التي تمت بحضور أعضاء من المكتب التنفيذي المتباينين مع الخط المهادن المتمثل في عناصر الكتلة الانتهازية. لقد تميزت نضالات كلية الاداب بالقيروان بالمشاركة الواسعة لجماهير الطلاب الذين شكلوا لجان دراسية لفهم واستيعاب والرد على البرنامج المسقط، كما تميزت هذه النضالات بتوحد كل الأطراف السياسية التقدمية (يسارية، قومية) وكل الذوات المناضلة ضمن تيار نضالي واحد انبنت وحدته على أساس الممارسة الميدانية المباشرةلا على اساس النقاشات المعزولة وهو درس بليغ وجوهري في كيفية بعث وبناء الجبهة الطلابية التقدمية.

لقد راكم طلبة القيروان طيلة شهر أكتوبر العديد من المكاسب النقابية والسياسية لعل أهمها شحذ همم الطلاب للنضال وتعبئتهم حول منظمتهم النقابية فضلا عن المضي قدما في توحيد القوى النقابية ضمن تيار نقابي راديكالي يجمع كل الأطراف والحساسيات التقدمية والمتبنية لرؤية نقابية مناضلة ورافضة للمهادنة.

لقد كانت الخطوات ثابتة والإرادة صلبة شحذت همم أحرار الحركة الطلابية بعديد الأجزاء خاصة في كليات الحقوق والآداب والحقوق بسوسة والعلوم بالمنستير والآداب بصفاقس والحقوق بتونس والآداب 9 أفريل بتونس، التي بدأت تتحرك وتحث الخطى نحو توسيع جذوة النضال حتى تشمل عموم الطلبة بالجامعة. هكذا كان منطق الحركة الطلابية أما منطق السلطة فكان مختلفا بالطبع حيث كان تدخل البوليس سافرا بمناسبة كل تحرك ينظمة الطلاب، وقد عرف هذا التدخل أبشع أشكاله وأفظعها يوم 1 نوفمبر 1994 بمناسبة الإضراب الذي دعا إليه المكتب الفيدرالي والذي تحول إلى اعتصام بساحة الكلية، فما كان من قوات القمع إلا أن داست حرمة الجامعة بأن طاردت أبناءها وبناتها في أروقتها واعتدت بالعنف والقمع الوحشي على العديد من الطالبات والطلبة الذين لاحقتهم إلى داخل الحافلات التي أطلق في بعضها الغاز المسيل للدموع مما أدى إلى حصول العديد من حالات الإغماء. حينها لم يكن هناك بد من المقاومة فنظم المناضلون المعركة التي دامت رحاها لمدة ساعات وكان ميدانها الحي الجامعي عقبة ابن نافع أين استبسل الطلاب والطالبات دفاعا عن حرمة الجامعة وتصديا لإرادة الفاشية فسجل التاريخ أن الحركة الطلابية والاتحاد العام لطلبة تونس كانا متصدرين صفوف الرفض والنضال ضد سياسة التدجين والإخضاع التي ظلت منطقا ثابتا عند السلطة وخاصة منذ بداية التسعينات. لقد لقّن الطلبة أعداءهم درسا في الصمود والبطولة وخاصة أولئك الذين أوقفوا وصدرت ضدهم أحكام جائرة. فقد تم يومها إيقاف العشرات من الطالبات والطلبة تعرضوا إلى ابشع أشكال التعذيب والإهانة ووقع الاحتفاظ بـ34 طالبا أغلبهم من أعضاء ومناضلي الاتحاد الذين زج بهم في السجن ووصلت الأحكام الصادرة ضدهم إلى 5 سنوات ونصف سجنا غيابيا ضد سمير طعـم الله، كما صدر حكم بسنتين وأربعة أشهر سجنا ضد المناضلتين عفاف بن الناصر ونجوى الرزقي وكانتا بذلك أول سجينتين يساريتين تقضيان هذه المدة السجنية كاملة. في نفس اليوم أي 1 نوفمبر وقع إيقاف 11 مناضلا من كليتي الحقوق والآداب بسوسة، كما وقع إيقاف المناضل رضا الرصاص من كلية الآداب بصفاقس والمناضل نجيب البكوشي من فدرالية 9 افريل بالعاصمة في محاولة من السلطة لإخماد جذوة النضال الطلابي.

إن إحياء ذكرى أحداث القيروان والوقوف على أهميتها هو واجب كل القوى المناضلة في الجامعة، كما أن استخلاص الدروس من تلك الحركة هو أمر متأكد اليوم أكثر من أي وقت مضى، فخوض المعارك بروح انتصارية وتعبئة الجماهير الواسعة حول المنظمة النقابية وتكريس وحدة الأطراف السياسية عبر المعارك الميدانية المباشرة المنصهرة مع القضايا الحقيقية لجماهير الطلاب، هي دروس وجب استلهامها واستحضارها للتقدم بالحركة والمنظمة الطلابية التي تعرف اليوم وضعا أقل ما يقال فيه أنه استثنائي وهو ما يفترض مزيدا من المثابرة من قبل كل الأطراف والقوى المناضلة لتغيير وجه الجامعة التونسية الذي شوهته وأعاقته الدكتاتورية وأعوانها ولن يكون ذلك إلا بالربط مع ملاحم الحركة ولحظاتها المضيئة.

إن اتحاد الشباب الشيوعي التونسي إذ يدعو الجماهير والقوى الطلابية إلى إحياء ذكرى أحداث القيروان فإنه يعتبر تلك الأحداث محطة مضيئة في تاريخ الحركة الطلابية في زمن عز فيه النضال وتراجعت فيه الحركة تراجعا كبيرا بتراجع أغلب القوى واستقالتها بما فيها الحركة الديمقراطية التي تفككت أوصالها وبذلك استفردت الدولة البوليسية بمن تبقى في ساحة النضال. في تلك الظروف الصعبة صنع طلبة القيروان الحدث في الجامعة رغم القمع والحصار والخيانة، خيانة القوى المعطلة التي كانت تنظر "للركشة" و"الانحناء حتى تمر العاصفة" ونقصد بذلك جزءا من قيادة الاتحاد العام للطلبة يتكون من عناصر ما سمي وقتها بـ"الكتلة اليمينية. لقد لعب هؤلاء دورهم كاملا كرجال مطافئ لنضالات الطلاب فقدموا المناضل نجيب البكوشي إلى البوليس، كما نددوا بأحداث القيروان واعتبروها "حركة يسراوية" لا تلزم الاتحاد، مما سهّل على السلطة هجومها القمعي علما وأن البوليس والقضاء نصا على هذا الموقف فـي محاضر البحث والتحقيق كما اكتفت بقية الأطراف بالانسحاب الصامت وقد اعتبر بعضها أن هذه التحركات تمثل "خطأ تكتيكيا" على أنها "صحيحة استراتيجيا"!!!

إن اتحاد الشباب يعتبر هذه التحركات جدية صميمية وبطولية، ووحدهم قادتها والمشاركون فيها يمكنهم أن يقفوا على بعض الأخطاء فيها. إننا نعتبرها كذلك لأننا نعتقد أن الدور المحوري للحركة الطلابية هو إنارة الطريق وفتح الآفاق وشحذ الهمم ولن يكون ذلك إلا بالنضال والنضال أساسا. أما عن نتائج الأحداث فعوض أن نحمّل السلطة وأجهزتها القمعية المسؤولية كاملة راحت بعض المجموعات تنسبها لنا وكأننا نملك عصا البوليس أو مفاتيح السجون. إننا ندافع باستماتة عن نضالات طلبة القيروان وعن كل محطة نضالية أخرى في ماضي وحاضر ومستقبل الشباب الطلابي وغيره من فئات شعبنا. إن الإرث النقابي هو معيننا الذي لا ينضب، سندنا الأساسي والتراكمات اللازمة لتغيير نوعي ضروري وحتمي.

اتحاد الشباب الشيوعي التونسي

1 نوفمبر 2004

* الطلبة والطالبات الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن في أحداث القيروان 1994:

توفيق سليماني، على السالمي، الفاهم بوكدوس، علي الجلولي، سمير طعم الله، عفاف بالناصر، نجوى الرزقي، لمجد الجملي، منجي الخضراوي، صديق الفرشيشي، الصادق سعدي، جمال التليلي، حبيب مادي، عبد الكريم القطاري، توفيق العيادي، خالد الكسابي، معمر الجليلي، مبروك الزيتوني، بولعراس عيساوي، ساسي الخصخوصي، نجيب الكسابي، فتحي وشام، عادل فلالي، شاكر الحراثي، الصحبي بوقرة، صالح المرزوقي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معلقة القدس في كف بغداد - للشاعر التونسي ادم فتحي

الاشتراكية أو البربرية : حمة الهمامي

خطير جدا تونس تتحول الى مزبلة نفايات مشعة و معفاة من الاداء الجمركي ..لن نسمح بأن تكون تونس مزبلة نفايات البلدان المتقدمة