تديين السياسة أم تسييس الدين ( 7 )- الإسلام السياسى رؤية سياسية أم هيمنة ذكورية أم إشكالية مجتمع.
تديين السياسة أم تسييس الدين ( 7 )- الإسلام السياسى رؤية سياسية أم هيمنة ذكورية أم إشكالية مجتمع.
سامى لبيب
الحوار المتمدن - العدد: 3363 - 2011 / 5 / 12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع
هناك مقولة للسياسى الداهية " جوبلز " وزير الإعلام الألمانى فى حكومة هتلر تقول : (اكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الناس) .. لتستثمر كثير من الأمم والطوائف والفصائل هذه المقولة فى خداع شعوبها وتمرير مصالحها وهيمنتها ..ومقولة " الإسلام السياسى " هى من طائفة العبارات التى يتم ترديدها لتخلق لها حضور وهى لا تمتلك أى مقومة تجعلها حقيقة .
نعم الإسلام البدئى كان مشروع سياسى بإمتياز وقد تطرقنا فى مقالات سابقة للدور السياسى الذى خلق الدعوة ولكن هل يصح أن نقول بأن الإسلام الحالى يحمل مشروعا ً سياسيا ً ..وهل يوجد مفهوم حقيقى للإسلام السياسى أم هى كذبة يراد لها أن تكون حقيقة بتكرار الإدعاء بها .
أدعياء الإسلام السياسى يرددون أن الإسلام دين ودولة ويستشهدون بأنه أقام دولته فى البدايات وإستمرت لحقبة زمنية طويلة ولكن هل الإسلام الآن قادر على القيام بدور سياسى فى المجتمع أم هى كذبة تتردد كمقولة جوبلز .
بداية لا يمكن أن نطلق على الإسلام الحالى أن له دورا ً سياسيا ً أو مؤهل للقيام بدور سياسى فى المجتمع وذلك لأنه يفتقد بالفعل للقيام بأى دور سياسى حيث لا أيدلوجية أومنهج ذو ملامح ولو باهتة قادرة على التعاطى مع العصر الراهن , فالظروف الموضوعية التى خلقت الإسلام السياسى فى البدايات الأولى غير متحققة الآن حتى يمكن إستعارة نفس المشهد فالماء لا يجرى فى النهر مرتين , فلا الخريطة الطبقية متواجدة ولا علاقات و قوى الإنتاج ذات وجود , لذا لن توجد الأدوات التى تجعل الإسلام كدولة حاضرة فإما أن تُسقط نفس المنهج وعلاقات وقوى الإنتاج القديمة وهذا المستحيل بعينه أو تتبنى أى رؤية سياسية وأيدلوجية تنسبها لها وهنا نكون على مشارف عملية تزييف ونصب واضحة .
الإسلام الحالى ليس له علاقة بالسياسة بأى حال من الأحوال فنحن لسنا أمام أيدلوجية سياسية ذات إنحياز طبقى محدد وليس لأدعياء الإسلام كدولة رؤية مستقلة وذات سمات محددة وواضحة لإدارة الشئون الإقتصادية والسياسية وإن بدرت منهم رؤية فهى لن تخرج عما هو سائد من تيارات سياسية فلا تكون الأمور سوى إستعارة بعض الشعارات وإلصاقها بهم .
عندما نقرأ نشوء الجماعات والحركات الإسلامية فى العصر الحديث نجدها تنحو نحو الدعوة للتمسك بالتقاليد والقيم الإسلامية ولا يعنيها الشأن السياسى العام فهى بالفعل تكون فى سياق مصداقيتها فليس الحكم ذى أهمية لها بقدر ما يهمها هدف محدد تسعى لتحقيقه ليس فى أولوياته الدعوة لمكارم الأخلاق والفضيلة كما يتصور البعض بقدر ما هو إهتمام بإسترداد هيمنة ذكورية مفقودة .. ولا يكون سعيها للحكم فى المراحل المتأخرة سوى إدراكها أنها لن تستطيع أن تفرض مشروعها الإجتماعى الشمولى إلا من على منصة الحكم .
نرى هذا واضحا فى نشأة جماعة الأخوان المسلمين وكافة التيارات السلفية فأسلوبها لم يخرج عن الدعوة التى لم تخلو من ممارسة العنف فى فرض نموذج أخلاقى وإجتماعى محدد وذلك بتفعيل دفع المنكر باليد فى أعلى مراحله هذا عندما إمتلكت القوة لتفعيل ذلك .. فنشأة الاخوان المسلمين مثلا جاءت كدعوة وليست كحزب سياسى و كل هَم مؤسسها حسن البنا هو الدعوة للإسلام والأخلاق والمجتمع الإسلامي .
عندما نسترجع تاريخ عودة الإخوان المسلمين للحضور ثانية فى عهد السادات لم يكن حضورهم لتأكيد مشروع سياسى بل تم إستخدامهم لمناهضة مشروع سياسى .. ففى عودتهم شهدت مصر زلازل سياسية تمثلت فى مشروع التسوية مع العدو الصهيونى وظهور طبقة برجوازية طفيلية مع بداية الإجهاز على العدالة الإجتماعية وكل المكتسبات السابقة .
هنا الاخوان لم يكن لهم أى رأى ومشاركة سياسية فى قضايا مصيرية فلم ينخرطوا فى انتفاضة 18 و19 يناير 1977 والتى شهدتها مصر وقادها اليسار المصرى ولم تأتى معارضتهم لمشاريع التسوية فى البدايات لأنهم كانوا يتحركوا وفق صفقة أبرموها مع السادات فى أن يكون كل دورهم هو تحجيم اليسار المصرى مقابل الحضور والإنتشار ليقوموا بإعداد الأرض لوجودهم بالدعوة للحجاب كقضية محورية .
يندهش المرء من هؤلاء الشباب الصارخين المهمومين بالدعوة للحجاب بينما مصر تشهد إنعطافات شديدة وحادة أولى بالإهتمام من تلك القضية , فإنصرافهم عن قضايا سياسية وقيامهم بدور مخلب القط الذى سمح به نظام السادات لمناهضة اليسار وتحجيمه وتكفيره يأتى على خلفية أجندة خاصة تتمثل فى إزاحة قوى اليسار كقوى تقدمية داعية لتحرر المرأة والمساواة وبداية منهم لإرساء مشروع إجتماعى رجعى يتوق نحو إسترداد الهيمنة الذكورية القديمة بتحجيم الحرية الإجتماعية فهذا هو مشروعهم الحقيقى والأصيل الذى يسعون إليه ويكون ممارسة أى دور فى الحياة السياسية عارض وليس أساسيا ..فلماذا الإدعاء بأننا أمام إسلام سياسى له هم سياسى عام وينشد الحصول على السلطة لتحقيق مشاريعه السياسية .
* المنطلقات للفكر الإسلامى .
لن تستطيع أن تحظى بكلام متماسك من أى سلفى عن كيفية حل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية وكيف ستتحقق الحريات والديمقراطية والعدالة الإجتماعية ولكن كل ما ستناله هى عبارات عائمة مطاطية عن العزة التى ستنال البلاد والعباد من تطبيق الشريعة بقطع يد السارق ورجم الزانية ومشاهدة الرؤوس مقطوعة بحد السيف أمام محفل من الجماهير ولو صُدف أنك وجدت من يتحلى بدرجة من الوعى فلن تخرج حلوله عن نظريات إقتصادية سائدة .
لا توجد رؤية واضحة ومتبلورة لما يدعى بالإسلام السياسى كمشروع أيدلوجى خاص يحدد هويته الطبقية وإنحيازه لطبقة معينة أو تحالف طبقى مترجما ً لمصالحها ومراميها شأنه شأن أى أيدلوجية أو منهج سياسى فهذا المنطلق هو الذى يمنح رخصة الحضور لأى قوى سياسية لنجد هذا الجانب غائبا ً مفقودا ً فيما تطرحه كل تصنيفات الإسلام السياسى كما أشرنا بأن المشروع السياسى للإسلام القديم لا تتواجد الأدوات التى تجعله حاضراً فى العصر الحديث بعد تغير التركيبة الطبقية وعلاقات الإنتاج .
* قانون للعقوبات
ما يطلق عليه الإسلام السياسى لا يزيد عن كونه رغبة فى تنفيذ قانون للعقوبات فهكذا هو الخطاب الأساسى المعلن بإلحاح وكقضية محورية فى تطبيق الشريعة كما يظهر فى خطابهم الرئيسى ..ولنسأل ما علاقة العمل السياسى بقانون الجنايات وما الذى سيغير من الأمور عندما نستبدل إعدام القاتل شنقا ً أو بالغاز بالإعدام ذبحا ً وهل سيتغير حال المجتمع إذا إستبدلنا عقوبة السارق من قطع يده إلى حبسه !.
بالطبع لسنا بصدد تقييم الحدود الإسلامية القاسية والمرفوضة من قبل الإنسان المعاصر وكل القوى الحضارية والحقوقية ولكن ما يعنينا هو جدوى قانون العقوبات ليشكل مشروع سياسى مزعوم فمن الممكن أن يتبنى أى مجتمع قانون للعقوبات ما وليس معنى ذلك ان تكون له علاقة عضوية بمشروع سياسي أو يكون هو المشروع السياسى أو تمنحه المشروعية .. ولننظر لبعض التجارب لدول إعتلاها الإسلاميون وطبقوا فيها الشريعة مثل السودان وافغانستان والصومال فلم نجنى شيئا سوى التخبط والفراغ والخراب فلا توجد رؤية ولا منهج ولا برامج سوى تطبيق حدود الشريعة .
* الخلفية الطبقية للإسلام السياسى .
عندما نحاول أن نفحص التعبير الطبقى للإسلام السياسى فسنجد أنه جاء منذ البدء كتعبير حقيقى عن طبقة الأسياد فى المجتمع العبودى وإستطاع أن يجارى المجتمع الإقطاعى أو قل المجتمع الإقطاعى هو من تحمله كمروج لطبقة الإقطاعيين ..ثم يجد حضوره فى المجتمع البرجوازى أو قل أيضا ًيسمح المجتمع البرجوازى بوجوده لما يحققه من تدعيم الطبقة بقدسية الملكية والطبقية وفكرة "نحن خلقناكم فوق بعض درجات" التى تسمح لتكون دعما ً لأى مجتمع طبقى .
ولكن إذا كان الإسلام يخدم البرجوازية فما الذى يعطيه صفة حزب سياسى متميز وما علاقة الإسلام كدين بالبرجوازية التى لم يشهدها ولا عرف علاقات إنتاجها .. وماذا يقدم جديدا حتى يحتكره الإسلاميون أو يدعون أن لهم رؤيتهم الأيدلوجية الخاصة ..ولو إعتبرنا جدلا ً وجود منهج ورؤية برجوازية فمن أين جاءت إن لم تكن من رؤى معاصرة لا علاقة للإسلام بها كدين .
إذا كانت البرجوازية تتحمل تنوع تيارات مختلفة تدافع عن مصالحها ...فيكون الإسلام السياسى هو التيار الذى يدافع عن البرجوازية عازفا ً على أوتار عاطفية ومن خلال مشروع إجتماعى فى أساسه هدفه ومبتغاه ليس رؤية سياسية بل تكون فى إستكمال المشهد بل يمكنهم التخلى عن أطروحة الإسلام السياسى والحكم لو تبنى أى حزب سياسى نفس المشروع الإجتماعى كما فى المملكة العربية السعودية للرجوع إلى العصر الإسلامى الذهبى الأول حيث هيمنة الذكورة المتفردة .
* الإسلام السياسى والديمقراطية .
ما يدعى بالإسلام السياسى ليس له إيمان بقضية الحرية والتعدد لأن المنظومة فى صلبها رافضة لتواجد أى فكر مغاير بإعتباره وضعى لا يجب أن يتواجد بجوار منظومة إلهية , لذا لا حضور من قريب أو بعيد لتعاطى المتأسلمون مع الديمقراطية بل التعاطى يكون خدمة لمصالحهم وتواجدهم بالمزيد من الإنتشار كما لا يخفى تعاطيهم مع مبدأ التقية ومسايرة الأحوال لحين التملك فلا إيمان فى صلب الفكر بقضية الحرية والديمقراطية والتعدد والمدنية ..ومازالت فصائل عديدة متواجدة تحافظ على نقائها الفكرى فى رفضها للديمقراطية والتعدد بينما فصائل أخرى وجدت أن الإعلان والإشهار بالعداء للديمقراطية والمجتمع المدنى سيجعلها تتصادم مع قيم العصر والحياة السياسية فآثرت التقية ولكن لم يمنع هذا بعض المتهورين أمثال محمود عزت نائب المرشد العام إلى التهور والإعلان أن الأخوان عندما يمتلكون الأرض فسيقيمون الحكم الإسلامى وتطبيق الحدود .!
الإسلام كمنهج فكرى لا يعترف بالتعدد وبأى منهجية فكرية خارج الإسلام وكلمة الشورى التى يحاول البعض لويها لتصدير فكرة الإيمان بالديمقراطية لا تحتوى على أى مفردة ديمقراطية .. فالشورى تكون داخل الجماعة الإسلامية وحدها والتى تعلى كتاب الله وشريعته ولن تضم كل التيارات المدنية يمينية ويسارية وليبرالية ليتم إختزالها بعد ذلك بمجلس الشورى فالأمير ..ولعل مشهد تعيين كوادر لحزب الأخوان الجديد " حزب العدالة والحرية " بدون إنتخاب الجمعية التأسيسية لهم يعطى معنى ودلالة واضحة على عدم وجود أى مفردة ديمقراطية فى الوعى .
* ما معنى الإسلام السياسى ؟.
نسأل أنفسنا ما معنى صورة الإسلام السياسى التى يتم الترويج لها طالما هى تفتقد لمشروع سياسى فلا هى تمتلك برنامج أوأيدلوجية تستمد أصولها من الإسلام لتبدل الظرف الموضوعى والزمانى وإنتفاء الشكل الطبقى وإنعدام علاقات وقوى الإنتاج ..ولا شعار تطبيق الشريعة بذى معنى لشأن سياسى ..إذن ما معنى وجودهم وخطابهم .ولما هذا الضجيج والصراخ والصراع ؟.
بداية لا توجد فكرة أو رؤية إلا وتبحث عن مصلحة وغاية فلا فكر ولاسلوك يُمارس بدون غاية وحاجة إليه , ومهما تعقدت الأفكار والرؤى وتباينت فلن تخرج عن المصالح والرغبات والإحتياجات سواء أكانت حاجات مادية جسدية بحتة أو حاجات نفسية تبغى الإيفاء والتواجد .
عندما نرى الصراع بين الأفراد والعشائر والقبائل والدول فنحن بصدد صراع على دوائر المصالح والهيمنة مهما تعقدت صوره وتمت ممارستها فى قاعات مكيفة وبحلل أنيقة ومهما حاول البعض التخفيف من فجاجتها بترديد مقولة " تبادل المصالح " فلن نخرج عن دوائر الحاجة والغايات .
هنلك حاجات وغايات نفسية تبدو لنا بعيدة عن المصالح المادية المباشرة وتحاول التنصل عنها بالرغم أن جذورها حاجات مادية ليصبح الشغل الشاغل للإنسان هو البحث عن حاجاته ورغباته النفسية ونيلها متناسيا ً سببها الموضوعى .
لن يكون غريبا أن نتصور بأن هناك ثقافات ومعتقدات جاءت خصيصا ً لفرض وتدعيم حاجات نفسية ورغبات مُبتغاة فى سياق مشروعها ومنظومتها السياسية وهذا دور الفكرة عموما فى المعتقدات والميثولوجيات والأيدلوجيات وهو تسويق ومنطقة وتمرير حاجات ورؤى معينة .
الإسلام لا يشذ عن عن هذه الرؤية فى كونه مشروع سياسى أتى ظهوره لتحقيق رؤية ومصالح محددة ولكن لم يعفيه أن يحمل فى داخل بنيته الأساسية تحقيق مشروع هيمنة ذكورية تريد أن تتأكد وتتحصن ومنهج يمارس بطريقته الصراع وتنفيس لمشاعر عنف إنسانية بدئية .
يتم توارث المنظومة الدينية عبر الأجيال ولكن العلاقات الإقتصادية والسياسية والطبقية تغيرت بفعل الزمن والتطور مما أدى إلى التخلى عن نفس المنهج القديم بالضرورة فقد تغيرت وتطورت علاقات الإنتاج مما يجعل الفكر السياسى القديم غير قابل أن يسقط على الواقع فلا يجد المتشبثون بالمشروع سوى التشبث بمنهج الهيمنة والسيادة القديم كمشروع مجتمعى مأمول .
الحياة صراع من أجل الإستئثار والسيادة والهيمنة ولا تكون كل أشكال الصراع فى الصورة البدئية البدائية سوى التكالب على مصادر الغذاء والماء كما لم تخرج أى صورة من صور الصراع عن هذا المنحى وإن إكتست بألوان مختلفة فصراع الهيمنة للرجل على المرأة صورة من الصراع , بل يمكن القول بأنه أم الصراعات على شاكلة أم المعارك والتى جاءت الاديان التوحيدية بشكل خاص لتحسم الصراع فى جانب الرجل .. بل يمكن القول أن الأديان التوحيدية جاءت خصيصا ً وعلى رأس قائمة أولوياتها تأكيد الهيمنة الذكورية وإعلان إنتصارها لذا يكون حضور الدين بمشاهده السياسية هو حسم هذا الصراع فى جانب الذكر ولتغلف هذه الاستراتيجية والمنهجية بكثير من أوراق السليوفان.. ولكن فى كثير من الاحيان تكون فجة بل شديدة الفجاجة فى طرح صور الهيمنة والسيادة الذكورية .
قضية المرأة هى قضية الصراع الرئيسية فى الفكر والوجدان الدينى عموما ً والإسلامى على وجه الخصوص أو ما يطلق عليه بالإسلام السياسى فهو الهدف والمبتغى فى تحجيم المرأة التى تنسمت بعض النسمات من الحداثة والمدنية وتشبثت بها .
إكتساب المرأة من بدايات القرن العشرين للكثير من الحقوق السياسية والإجتماعية وخروجها من الشرنقة القديمة بالرغم أنها لم تحصل علي حقوقها كاملة أثارت حفيظة الهيمنة الذكورية المتوارثة مما إستدعى ظهور ما يعرف بالإسلام السياسى للنضال لعودة المرأة للحظيرة فلا يكون الحجاب والنقاب والتشبث به على رأس المرأة هى للعفة المزعومة بقدر ما هو أداة ورمز لتحجيم المرأة والهيمنة عليها .
قضية الحجاب أول الطريق نحو قهر المرأة وراء تمظهر يتم فرضه ليكون بداية لإستعادة الهيمنة الذكورية المفقودة ..لتجد الرغبة فى إنتقاصها وحجبها من خلال خلق فوبيا الفتنة والخطيئة والإنحراف ...لذا تجد الإصرار والخطاب الأعلى فيما يعرف بالخطاب الإسلامى هو للحجاب كقضية محورية .
لن تجد أيضا ً أى فصيل إسلامى يعلن عن حق المرأة فى المناصب القيادية لتصل إلى رئاسة الجمهورية بل ستجد عبارات ملونة ناعمة مثل ان خدماتها جليلة بتقديم الرعاية لمتطلبات الزوج والبيت ولن تمر الأمور دون التقليل الدائم من كفائتها ومحاولة ردها للبيت بحكم أنها غير قادرة على العمل مثل الرجل بحكم عواطفها ودورتها الشهرية وحملها ولا تعرف ماذا تزيد نساء العالم عن نساء المسلمين ! .
للدلالة على أن الداعين لحضور الإسلام فى المجتمع ماهو إلا إستعادة لهيمنة ذكورية وتلبية حاجات ورغبات ذكورية نجد أن الإسلام يبيح للرجل الزواج مثنى وثلاث ورباع وما ملكت يمينه من نساء ... هذا الترخيص والبحبوحة تم تقويضها بالرغم أنها مُشرعة فقد قوضتها حضارة العصر فى تجريم إقتناء السبايا والجوارى وناهضت حقوق وحريات المرأة تعدد الزوجات فى المجتمعات الإسلامية الحضرية ليس بالتجريم ولكن بالإنحسار مما أدى لإنكسار الهيمنة والسطوة الذكورية وحضور شخصية للمرأة تدافع عن حقها فى الحرية والحياة الكريمة .
بماذا نفسر أن تعدد الزوجات شائع فى المجتمعات البدوية والأقل حضارة وغير حاضر فى المجتمعات المدنية بالرغم أن التشريع شامل وعام ..هل نستطيع القول لإنصراف أهل الحضر عن هذا التشريع القديم نتيجة علاقات أكثر تحضرا ً ووعيا ً وظهور قوى وفاعل لشخصية المرأة بأن حقوقها ذات إعتبار أم يمكن تفسيره بأننا أمام تصاعد لرغبات جنسية محمومة لدى رجال البادية بينما يفتقدها رجال الحضر !!...بالطبع سيكون التفسير الأول أكثر صدقا ً فليس رجال البادية أكثر فحولة من رجال الحضر ولكن لأن هيمنتهم الذكورية العاتية فى مجتمعات منغلقة تسود فيها سطوتهم سمحت لهم بتعدد الزوجات دون أن يواجه رفضا ً أو معاندة .
الداعين لما يسمى بالإسلام السياسى يكون سعيهم هى عودة هذه الهيمنة والسطوة الذكورية المفقودة وتحقيق وتفعيل تشريعات تمنح الرجل المزيد من الحريات والمتع التى تم تحجيمها و تقزيمها نتيجة الحداثة وتطور المرأة وفرض وجودها وتشبثها بحقوقها وكرامتها ...فالداعين لحكم الإسلام هو لقهر المرأة وعودتها للحظيرة مرة ثانية بلا مقاومة أو عناد .
لإثبات أن ما يسمى بالإسلام حريص على تحجيم المرأة فى صراع الذكورة تجد رفض شديد لتولى المرأة الولاية وليخففوا من حدة الأمر فى مجتمع بدأ يبعد حثيثا عن الثقافة القديمة فيقصروها على الولاية العامة ولكن هذا لن يمنع مستقبلا متى إمتلكوا الأرض أن تنتفى الولاية فى كل درجاتها.
فكرة الولاية هى تشريع إسلامى يطالب ما يعرف بالإسلام السياسى حضوره ولكن هل كل تشريع قابل للحضور ..فكما لن يستطيع أى سلفى متزمت أن يقتنى إمرأة كجارية ويضمها لحريمه فلماذا إذن الإهتمام بقضية الولاية فى التطبيق إذا كان العصر لا يتحملها كما لا يتحمل تشريع ملك اليمين .
تكون الولاية هى معركة الصراع على من يتحكم فى مصادر الإنتاج وإدارتها والسيادة.. فهنا لا قبول لولاية مشتركة بالرغم أن هذا الأمر لم تعد قضية العالم المعاصر ولكنه ميراث الرغبة الذكورية المتعنتة فى السيادة والتفرد .
* تفريغ طاقات العنف والغضب .
الثقافة الإسلامية هى ثقافة متصادمة وحادة بطبيعة كونها تراث دينى وتعبير عن رؤية وفكر إنسان قديم له موقفه الخاص الذى يحكمه ظرفه الموضوعى والتاريخى ودرجة تطوره المعرفى وعلاقات مجتمعه الإنتاجية ..فهناك فسطاطي الإيمان والكفر ولا منطقة فى وسطهم ومن هنا تأتى الحدة والقطع والإقصاء فتصبغ كل المنظومة الثقافية الفكرية بكل مفرداتها فلا قبول لأى فكرة مناهضة تتمثل فى معتقد او دين أو نظرية وضعية فى المجتمع الإسلامى وهذا يفسر هذا العداء الشديد للتيارات الاسلامية للعلمانية والإشتراكية وللطوائف الدينية المتواجدة بل تزيد شرنقة الرفض بعزل وإقصاء أى مذهب إسلامى مخالف .
التركيبة العدائية تستمد وجودها من حدة الفكر الدينى فمن العبث ان نحكى فى سياسة ومشروع سياسى فالسياسة ليست لها موقف حاد وقاطع ومتجمد لا يبارح مكانه بل هو فن الممكن .
يكون ما يسمى بالإسلام السياسى هو مشروع إجتماعى يريد الإقصاء ويعبر عن رغبات عنيفة تريد التحقق والفعل والممارسة ..لتخرج بالصراع من كونه سياسة واحتياجات مجتمعية وطبقية وتذهب به بعيدا فى صراع لا طائل له سوى تفريغ طاقات عنف مخزونة تنفس عن نفسها فى صراعات غبية بعيدة عن ميدان الصراع الحقيقى .
هناك نقطة نفسية يحققها تواجد المنهج الإسلامى أو الدينى عموما فى الحياة بالتتنفيس عن طاقات غضب تجد طريقها فى الآخر وتعطى مشروعية ومظلة نفسية تمنح أريحية فى ممارسة العنف .
فالإنسان لديه طاقة عنف تحت جلده مارسها فى صراعه الحياتى منذ البدء وحتى الآن وإن إختلفت مستويات العنف فمع التطور الحضارى تم تقويض وترويض تلك الطاقة المنفلتة لتمارس العنف خارج الجماعة البشرية للحفاظ على وحدتها وقوتها وتم توجيهها نحو الآخر الخارج عن نطاق الجماعة لتجد أن الأديان تحلل قتل الكافر والمغاير بل تحفل النصوص الدينية بكم هائل من الدعوة الصريحة بل اللحوحة من الإله بالقتال ووعد بالنصرة ومكافأة المقاتلين.. وللإنصاف فليس الأديان والمعتقدات وحدها من منحت هذه الرخصة فهى تواجدت مع كل الفصائل البشرية منذ القدم ولكن يأتى الدور المخرب للأديان أنها منحتها المباركة والقدسية .
لذا لا تندهش لهذا التناحر والعنف والتعصب الدينى الذى تمارسه الجماعات الإسلامية ضد الأقليات الدينية ولن تتعجب من ممارسة العنف والكراهية بين المذاهب الإسلامية مع بعضها كالسنه والشيعة ..ولا تشد شعرك عندما تجد أن مشادة كلامية أو إسلام إمرأة يقود لحرق كنيسة والتعدى على الأقباط .
لا يمكن تفسير هذه الأمور بالحمية والغيرة على الدين فلا غيرة تقود لهذا السلوك فليس هناك مصلحة حيوية متواجدة تمنح هذه الغيرة والحمية كل هذا العنف والتخريب ..القضية هى أن المواطن يعانى من ضغوط هائلة تتمثل فى حالة معيشية مهترئة بلا أمل فى الإصلاح ..أو بمعنى أدق يعانى من صراع طبقى شرس شديد الوطأة يقع ضحيته دون أن يدرك أنه سبب شقاءه إما جهلا ً فى الأغلب الأعم أو وعيا ً ولكن ليس هناك من سبيل للتعديل والإصلاح فتخرج طاقة العنف والغضب على وضعه البائس فيمن يقدر أن يتحمل عنفه ليمارسه على زوجته وأولاده وتشبثه بسطوته عليهم كبديل لكرامة مهدورة أو يمارسه على الآخر المختلف لتصبح قضية تافهة ليس لها معنى من الإعراب كقضية إسلام " كاميليا " فرصة سانحة لتنفيس الغضب والعنف ...وعندما يكون هناك من يدعوا إلى تنفيس الغضب الحبيس من مجمل الظروف الموضوعية فى هدف معين ستجد هذا المواطن البائس مشاركا ً فعالا ً بكل وجدانه ..ومن هنا يكسب ما يسمى بالإسلام السياسى أرضا ً وحضور فهكذا هو الدور الذى يلعبه أو يخربه بالأحرى .
يمكن القول طالما فى عالمنا العربى مازال هناك حضور لفكرة الإسلام السياسى كمشروع سياسى فيه خلاص للأمة فإعلم أننا نعيش فى نطاق كذبة جوبلز التى تم الإلحاح عليها حتى صدقناها ..وأننا بذلك فقدنا البوصلة فى معرفة الطريق فلن نراوح مكاننا فالإسلام فى تسويقه السياسى هو تعبير عن قوى رجعية مهمومة بالهيمنة الذكورية وتصفية حسابات مع المرأة خصيصا ً وتكون أى ممارسات تبدو لنا من تعاملات حتى لو كانت رفع تطبيق الحدود الشرعية فليست أكثر من غطاء يخفى الإستراتيجية والمنهج العام فى إستعادة هيمنة ذكورة ومجد قديم .
أهمية تشخيص حالة ما يسمى بالإسلام السياسى هو معرفة خارطة الطريق وأين تكون أرض الصراع هل نحن أمام مشروع سياسى يتناول قضايا مجتمع فيكون صراعنا سياسيا ً أم أننا بصدد مشروع إجتماعى قديم يبغى الحضور لتحقيق أحلام وسيادة ذكورية متفردة وإستعادة مكانة قديمة مأمولة .
أن نتوهم وجود ما يسمى بالإسلام السياسى ونخوض معه سياسيا ً كمن يحارب طواحين الهواء فننصرف إلى ميدان غير الميدان الحقيقى فهو لا يعدو رغبات ذكورية تبغى إستعادة مجدها القديم وخلق مظلة لحالة غضب وعنف إنسانى فقد بوصلته ومكان صراعه .
لا سبيل للتطور سوى بتطوير علاقات المجتمع الإنتاجية وهذا سيلزم زمن وجهد ويدخلنا فى حلقة جهنمية من الصراع فأنت تريد تطوير مجتمع خامل ومتخلف بقواه وعلاقاته الإنتاجية فيفرز فى هذا المناخ من يرسخ لجره إلى الخلف لذا علينا بمشروع إجتماعى حضارى نهضوى يلح على تأكيد حرية وكرامة المرأة والأقليات الدينية والعرقية والتشبث بالمنجزات الحضارية الإنسانية وعجلة التطور الدائرة لتخترق الجدران العربية السميكة .
دمتم بخير.
تعليقات
إرسال تعليق