صوت الشعب : في مساعي قوى الثـّورة المضادّة

في مساعي قوى الثـّورة المضادّة

تعدّدت في الأسابيع الأخيرة الأدلة القاطعة على المسار المتنامي في السر والعلن لقوى الثورة المضادة بهدف الالتفاف على مكتسبات الثورة التونسية وتصفيتها بما يعبّد الطريق للعودة بالأوضاع إلى الوراء.

والملفت للانتباه تسارع هذه المساعي واتخاذها أبعادا أكثر خطورة أياما قليلة قبل استقالة الغنوشي وتولـّي الباجي قائد السبسي إدارة الحكومة.

ومما لا يرقى إليه الشك استفادة تلك القوى من عناصر كثيرة أولها بقاء السلطة ومجمل جهاز الدولة بيد قوى الماضي الرجعية المتخلفة، وثانيها إصرار حكومة "السبسي" على إدارة مجمل الشأن العام وفق نفس المنطق التسلطي والإقصائي الذي ينهل من المدرسة البورقيبية! وثالثهما التمترس وراء الرفض المطلق لإدارة المرحلة الانتقالية دون أدنى رقابة.

والحقيقة أن مثل هذا النهج في التعاطي مع مقتضيات المرحلة يحمل الكثير من المخاطر الجسيمة على ثورة شعبنا ويعبّد الطريق رويدا رويدا لإعادة البلاد إلى المربّع الأوّل بما يعنيه من عودة سافرة إلى أكثر القوى دموية وفسادا لتتصدّر المواقع الرئيسية في السلطة القائمة والتحكـّم في مفاصل الدولة وتصفية الحساب في الوقت المناسب مع جماهير شعبنا وعلى الأخص كل القوى السياسية والمدنية التي أسهمت في الإطاحة برأس الديكتاتورية.

والأنكى من ذلك، أن حكومة "السبسي" لم تعد تجد حرجا في المجاهرة بتمجيد العودة للوراء وتحديدا لفترة بورقيبة. ولأن 23 سنة من حكم "بن علي" لم تكن في الأصل والجوهر سوى استمرارا لما سبق.

والحقيقة أن التعاطي السياسي الرسمي منذ تولي "السبسي" شؤون الحكومة يدفع أكثر من أي وقت مضى لتعميق التخوفات المشروعة على واقع البلاد ومستقبلها في نفس الوقت. كيف لا؟ وجميع المطالب التي تحققت في المرحلة الثانية من الثورة التونسية (مجلس تأسيسي، حل البوليس السياسي، حل التجمع إلخ...) على أهميتها تجد تطبيقا لها على أرض الواقع وفق المنظور الحكومي ضمن آفاق محدودة، وضيقة يغلب عليها الطابع الديماغوجي الذي يعيد إلى الأذهان العقلية النوفمبرية وتعاطيها مع مطالب الحركة الديمقراطية بعيد الانقلاب. وبالتوازي مع المسعى الحكومي المكشوف للتعاطي الديماغوجي مع مقتضيات الثورة ومطالبها تعمل قوى الردة على أرض الواقع وعلى امتداد البلاد على خلق الشروط المادية لخنق القوى الشعبية والتسلل بطرق عدة ومطالب متنوعة إلى الحسم الشعبي وإنهاكه بما يسهل حرف مسارات الثورة عن سكتها.

ويتخذ هذا التسلل طرقا عدة في الأشكال والمضامين، وهو في أحيان كثيرة يتخفى ببوليس الثورة تماشيا مع مقتضيات المرحلة والمزاج الشعبي السائد.

لقد عملت القوى المضادة للثورة طوال المدة الماضية ولازالت على حشد إمكاناتها وتوزيعها في أكثر من مستوى ومجال لإشاعة مظاهر الفوضى والعنف بما يخلق مناخا عاما سياسيا وشعبيا يسهّل تحقيق أهدافها مستفيدة إلى حدود كبيرة من بقاء السلطة خارج دائرة الطبقات والفئات الاجتماعية وكل القوى التي أسهمت في الثورة. فالحكومات المتعاقبة بعد 14 جانفي منظورا لها من زوايا متعددة بعيدة كل البعد عن صيانة مكتسبات الثورة التي تحققت مما يفقدها الأهلية لتأمين مقتضيات القطع مع الدكتاتورية.

ومثلما أسلفنا فقوى الثورة المضادة حركت ولازالت إمكاناتها ضمن نسق تصاعدي مدروس لإغراق البلاد في حركية فوضوية لفك التعبئة الشعبية حول المطالب الجوهرية للثورة. وفي هذا السياق عرفت جهات عديدة (قصر هلال، المتلوي، الكاف...) تحريكا متعمدا للنعرات الجهوية والقبلية أدى إلى سقوط قتلى وجرحى وأضرار فادحة بالممتلكات العامة والفردية (القصرين مثلا، قبلي...).

كما أن ذات القوى هي التي تدفع في جهات عديدة (قفصة، قابس، صفاقس...) وقطاعات شعبية إلى الشطط في المطالب الاجتماعية، وهي تقريبا نفسها التي تعمد إلى افتعال طرح قضايا فكرية وسياسية (العلمانية، الهوية...) لشق وحدة الشعب التونسي.

ومثلما هو بيّن فقوى الثورة المضادة لا تكفّ عن استعمال كل الوسائل لتحقيق أهدافها وهي تمزج بخبث كبير بين توظيف المتخلف والهابط (الجهوية، القبلية، العروشية، الطائفية...) وبين القناع الشرعي في رفع المطالب وتحديد الأدوات الموصلة لتلك الأهداف، ويظهر ذلك جليا في الواجهة الاجتماعية وبالتحديد في وقوف قوى رجعية وراء مطالب مشروعة مثل التشغيل وتعمّد استعمال أشكال "نضالية" فيها الكثير من العنف والتعدي على حريات المواطنين ومس بعض الحقوق الأساسية كالنقل والشغل. فقد عرفت مدينة قفصة مثلا سلسلة من التحركات الاجتماعية في الأسابيع الأخيرة أساءت كثيرا إلى الثورة والأعمال الثورية وخلقت تذمرا واسعا لدى قطاعات عريضة من المواطنين. فقوى الثورة المضادة تكيف أنشطتها التخريبية وفق مقتضيات المرحلة ومزاجها الثوري مستغلة الأوضاع الاجتماعية لفئات واسعة من أبناء الشعب وخصوصا الشباب المعطل وتدفعهم بقوة المال إلى القيام بأعمال لا صلة لها بالنضال بهدف تشويه الثورة والإضرار بصورة القوى المناضلة (غلق طرقات، براكاجات إلخ...) كما أنها، أي القوى المضادة للثورة تعمل على تحريض الشبان الأقل تعليما ضد التنظم في الأحزاب والجمعيات وتدفعهم إلى معاداة فعاليات كل الأنشطة الجماهيرية التي ترمي إلى استكمال مهمات الثورة وتحقيق المكاسب الاجتماعية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معلقة القدس في كف بغداد - للشاعر التونسي ادم فتحي

الاشتراكية أو البربرية : حمة الهمامي

خطير جدا تونس تتحول الى مزبلة نفايات مشعة و معفاة من الاداء الجمركي ..لن نسمح بأن تكون تونس مزبلة نفايات البلدان المتقدمة