خاص: حمّة الهمّامي يفتح قلبه لـ «الشـــــروق»: نـــرفض أن يكـــــون الشعــــــب مجــــــــــرّد «حطب» للثورة
خاص: حمّة الهمّامي يفتح قلبه لـ «الشـــــروق»: نـــرفض أن يكـــــون الشعــــــب مجــــــــــرّد «حطب» للثورة حوار: فاطمة بن عبد الله الكرّاي قال في نفسه وهو يغادر المعتقل في الداخلية سنة 1972، إن حليب أمّه حرام عليه.. كان ذلك بمثابة القسم الذي لا يجعله يزيغ عن قناعاته أو يساوم عليها .. هو أحد الطلبة الثائرين ضمن حركة فيفري 1972.. ناله الاعتقال وقتها، ولما قبض عليه وأخذ في سيارة البوليس إلى «الداخلية» سأله أحدهم: لماذا تثور وتحتجّ؟ فقال حمّة الهمامي ولم يبلغ التاسعة عشرة من عمره، وكان طالبا بكلية الآداب 9 أفريل: نريد الديمقراطية وحرية التعبير.. فأجابه أحد أعوان البوليس وهم لا يزالون في السيارة: «حتى أحنا نحبّو الديمقراطية» ولم يكن حمّة يدري أن في الأمر معاناة سوف يتعرّض لها على أيدي البوليس السياسي في «دهليز» الداخلية، حين أعاد البوليس سؤاله: «تريد الديمقراطية؟. وغمز أحدهم لكي يأتي بكيس مليء بالهراوات والعصيّ، وقالوا له بكلمات نابية: اختر بكلّ ديمقراطية العصا التي (....). وخرج حمّة الهمامي الشاب دون العشرين من شارع بورقيبة إلى ساحة باستور والدموع تملأ عينيه.. لا من شدّة التعذيب، بل لأنه اعتبر ان الاعتداء طال كرامة الشعب كله.. وقتها أقسم.. على ما أقسم.. عشر سنوات في السجن (متقطّعة) وعشر سنوات (متقطّعة أيضا) في السرية.. وسنتان ونصف عمل كأستاذ للتعليم الثانوي.. يتحدث حمّة الهمامي الذي لم يتغيّر، عن السّجن.. والسرية.. وعن موقف الحزب الذي ينطق باسمه.. وعن لقائه ببن علي عام 1989 حيث قال له «الرئيس الهارب» بفعل الثورة الشعبية: «إنني فهمتك».. حين أصرّ حمّة على مواقفه السياسية وقناعاته الفكرية.. في هذا اللقاء الشامل يفتح حمّة الهمامي ملفات الماضي والحاضر ويعلن برنامجه السياسي للمستقبل.. مسندا كبير أهمية إلى التحالفات السياسية التي يمكن أن تحمي ثورة تونس.. فإلى السؤال الأول.. ٭ كيف يرى حمّة الهمامي ثورة 14 جانفي، سياسيا وشعبيا وفكريا؟ ـ نحن نعتبر ان الثورة في منتصف الطريق، أسقطت بن علي، ولكن الديكتاتورية ـ رغم وهنها ـ لا تزال قائمة بمؤسساتها وأجهزتها ودستورها وقوانينها وحزبها (التجمّع) رغم ما يروّج عن انحلاله (قرار وزارة الداخلية) وبطبيعة الحال فإن الانتقال إلى الديمقراطية لا يمكن أن يتم والديكتاتورية لا تزال قائمة.. لأن الشعب التونسي لا يريد رحيل بن علي فحسب، بل يريد خاصة رحيل الديكتاتورية. والحكومة الحالية، التي تمثل رغم تعديلها، امتدادا للنظام السابق لا يمكن أن تكون الأداة لتحقيق هذا الهدف، بل على العكس من ذلك فهي تهدف إلى احتواء الثورة بكل الطرق وحصرها في حزمة من الاجراءات التي تعد باتخاذها. نحن، سواء كان في حزب العمال، أو في جبهة 14 جانفي، وفاء منّا لشهداء الثورة ولطموحات الشعب ومطالبه، طرحنا ومازلنا نطرح طريقا آخر للتغيير الديمقراطي نراه الكفيل وحده بتحقيقه، وهو يتمثل في مواصلة النضال لاسقاط الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة مؤقتة متركبة من أعضاء، نساء ورجالا، لا علاقة لهم بالنظام السابق وحزبه، وتكون هذه الحكومة نابعة عن توافق بين مختلف القوى السياسية والمدنية المساندة للثورة والمساهمة فيها، إلى جانب ممثلي المجالس والروابط واللجان الشعبية التي أثمرتها الثورة، وأخيرا الجمعيات والمنظمات التونسية بالهجرة، والمعارضة للديكتاتورية ـ كل هذه الأطراف يمكنها أن تجتمع في مؤتمر وطني في أسرع الآجال وتتوافق على حكومة مؤقتة. ٭ ما هي مهمّة هذه الحكومة؟ ـ مهمتها: تصريف الأعمال اليومية، ،خلق مناخ من الحرية لانتخاب مجلس تأسيسي ممثل لكل القوى الحية بالبلاد يتولى صياغة دستور جديد للجمهورية التونسية، الديمقراطية والعصرية التي تحقق طموحات الشعب التونسي في الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة. ٭ هل لكم بديل عن كلّ المبادرات التي تقدم بها البعض وكذلك عن الحكومة الحالية؟ ـ نحن لنا بديل، قوى 14 جانفي وهو المؤتمر الوطني لحماية الثورة.. وهذا المؤتمر الذي ذكرت تشكيلته سابقا هو الأداة السياسية، في رأينا، القادرة على المضيّ بالثورة إلى الأمام ودعم مكاسبها وخاصة تحقيق الانتقال الديمقراطي.. فهو لن يكون مجرّد جهاز مراقبة استشارية، لحكومة منصّبة لا تتمتع بشرعية،، بل جهاز فعّال تنبع منه الحكومة المؤقتة ويحدّد توجهاتها العامة، على غرار ما حصل في عديد التجارب، في العالم على اثر سقوط الديكتاتوريات، سواء كان في افريقيا أو في أمريكا اللاتينية. هناك برنامج لشنّ حملة عامة على عدة واجهات، إعلامية وسياسية وأمنية لتخويف الشعب وترهيبه، واللعب على وتر الأمن والشغل والدراسة والتموين.. لخلق حالة من الاحباط وقبول الأمر الواقع في كلمة: هذه القوى تريد مساومة الشعب التونسي على حريته مقابل الأمن.. نحن نرى قوى تابعة للحزب الحاكم وأخرى للبوليس وثالثة لرجال أعمال متطرفين (قفصة والمنستير وسوسة والقصرين..) تكلّف عصابات إجرامية للاعتداء على المواطنين وعلى أملاكهم وعلى أمنهم وحرماتهم لترهيبهم عساهم أن يملوا فيطالبون «بعودة الأمن». نحن ننبه الشعب التونسي إلى اليقظة حتى لا يسقط في هذا الفخّ.. وحتى يكمل ثورته ويحقق أهدافه.. إن الأمن والاستقرار الحقيقيين لن يتأتيا للشعب التونسي إلاّ بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهنا نسأل: هل عقرت الجهات من الكفاءات حتى يعيّن عليها ولاة تجمعيون كانوا يمارسون الاستبداد على الشعب التونسي في المراكز التي كانوا يحتلونها؟ في رأيي اختيار الحكومة هو اختيار سياسي للحفاظ على سيطرة التجمع وتحديد مصير الانتخابات المعلنة عبر هذه السيطرة. ٭ كيف يرى حمّة الهمامي اللجان الثلاث من حيث التعيين ومن حيث المهام ومن حيث التركيبة لكلّ منها؟ ـ اللجان الثلاث أعلن تكوينها بن علي قبل فراره... أما الحكومة فقد عينت رؤساءها ورؤساؤها هم من عينوا أعضاءها. نحن ضد هذه اللجان وخاصة لجنة الإصلاح السياسي، لأننا نريد القطع نهائيا مع الدكتاتورية شكلا ومضمونا. الشعب التونسي الذي قام ويقوم بهذه الثورة هو المؤهل قبل أي لجنة معينة من فوق لتحديد النظام السياسي الذي يريد... وإرادته هذه لا يمكن أن يعبّر عنها إلا مجلس تأسيسي ينتخبه في مناخ من الحرية أي بعد إلغاء المنظومة التشريعية القمعية قانون الصحافة وقانون الأحزاب وقانون التجمع والتظاهر والمجلة الانتخابية وغيرها... إضافة إلى تعطيل العمل بفصول الدستور السالبة لحرية الشعب وسيادته... وتحرير الحياة السياسية تحريرا فعليا... الناس اليوم في سيدي بوزيد وفي قفصة وتطاوين، وصفاقس وسوسة والقصرين وجندوبة وسليانة، في كلمة، في كافة أنحاء البلاد يشعرون بالغبن وبالاقصاء لأنهم يرون أنهم هم الذين قاموا بالثورة وأن حكومة منصّبة ولجانا منصبة وولاة منصبين، يسعون إلى تقرير مصيرهم وهو ما يرفضونه ونرفضه نحن أيضا. وما قلناه حول لجنة الإصلاح السياسي نقوله عن اللجنتين المتبقيتين. فلجنة «الفساد» يرأسها الجامعي عبد الفتاح عمر الذي وسم من طرف بن علي، وعمل في الأمم المتحدة بضوء أخضر من الحكومة ـ حكومة بن علي ـ. وبعض أعضاء اللجان قد يكون هو ذاته مورّطا في قضايا فساد... ومثل هذه اللجنة، حتى تكون ذات مصداقية ينبغي أن تعين من مجلس تأسيسي منتخب من الشعب وتعمل تحت مراقبته... أما اللجنة الثالثة فهي من المفروض أن تعين أيضا من المجلس التأسيسي وتعنى لا بالمباشر فقط بل كذلك بالذاكرة وعلى افتراض أنه لابد من معالجة مباشرة لما حصل في آخر أيام بن علي فقد كان من الأجدر أن تتولى تكوين هذه اللجنة هيئات حقوقية مشهود لها بالمصداقية. وأن تتركب من أعضاء لا يشكّ في استقلاليتهم وفي جديتهم... وفي كلمة فليس بمثل هذه الأساليب الفوقية، يمكن معالجة قضايا البلاد... نحن نرفض أن يكون الشعب مجرد «حطب» للثورة... ثم تأتي حكومات أو لجان لتحتويها وتحدد مستقبل البلاد وفقا لمصالح أقليات محلية وأجنبية، مسيطرة على الدولة وعلى خيرات البلاد وثرواتها... وفي هذا المجال بودي تأكيد أن الشعب التونسي لا يقوم بهذه الثورة من أجل الحرية السياسية فقط، بل كذلك من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة. الاستبداد في بلادنا الغاية منه، هو الحفاظ على مصلحة حفنة من العائلات ومراكز الثراء المحلية، وجملة من الشركات والمؤسسات والدول الأجنبية التي تنهب بلادنا على حساب الطبقات الكادحة والشعبية. ولا يمكن تحقيق تغيير ديمقراطي فعلي دون التخلص أيضا، من القاعدة الاقتصادية والاجتماعية للاستبداد... ووضع اختيارات اقتصادية واجتماعية جديدة، وطنية وشعبية. هل تقصد إقامة نظام اشتراكي ودكتاتورية البروليتاريا؟ ـ نحن ثورتنا الحالية، هي ثورة شعبية... ذات مضمون ديمقراطي... وهي لا تهم العمال فحسب، ولكن تهم أيضا طبقات وفئات شعبية أخرى كالفلاحين والتجار والحرفيين وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة من المتضررين من هيمنة كبار الرأسماليين المحليين والأجانب، والموظفين والطلاب والمعطلين عن العمل... والمثقفين والمبدعين... كما أنها تهم معظم الشباب والنساء وليس المطروح تحقيق دكتاتورية البروليتاريا كما يروّج البعض... بل المطروح هو تلبية الطموحات الديمقراطية لكل الطبقات والفئات التي تحدثنا عنها والتي تتعارض مصالحها مع مصالح كبار البورجوازيين المحليين والرأسمال الأجنبي. وبشكل عام فإننا سنجد أنفسنا للخروج ببلادنا من التخلف وتلبية حاجيات الشعب الأساسية أمام ضرورة تأمين أهم القطاعات الاستراتيجية التي ينبغي أن يقع التصرف فيها من العمال والأجراء تصرفا ديمقراطيا وكذلك ضرورة إجراء إصلاح زراعي لفائدة الفلاحين الفقراء والصغار وخلق المناخ الملائم (تشجعيات مالية وجبائية..) للحرفيين وأصحاب المؤسسات الصغرى كي يسهموا بشكل فعّال في تطوير الاقتصاد الوطني.. وفي هذا الاطار، فإن العلاقة بالبلدان الأجنبية ومن بينها الاتحاد الأوروبي ينبغي أن تخضع لحاجاتنا نحن وليس لمصالح تلك البلدان.. مشروع هذه الحكومة برنامج نظام بن علي أدخلت عليه إصلاحات، هكذا قلت في احدى المناسبات، ماذا تقصد من هذا الكلام؟ ـ هو مشروع لاحتواء الثورة انطلاقا من الاحتفاظ بنظام بن علي مع تعديله وادخال بعض الاصلاحات عليه لا أكثر ولا أقل. فالحكومة معظمها من نظام بن علي البارز منهم والخفي.. وحتى الذين دخلوها من المعارضة لم يكونوا يطالبون بأكثر من إصلاح نظام بن علي. في آخر لحظة وقبل ساعات من سقوط بن علي لم يطالب أحمد ابراهيم وأحمد نجيب الشابي بأكثر من اصلاح نظام بن علي.. أو وضع آليات لتنفيذ ما جاء في آخر خطاب لبن علي. الحكومة لم تغيّر شيئا في الادارة ويكفي هنا ذكر تعيين الولاة الذين هم في الغالب من التجمّع الدستوري.. وهو ما يؤكد استمرار التجمّع الدستوري، حزب الدكتاتورية في إدارة البلاد وفي الالتفاف على الثورة.. مسألتان تطرحان هنا في خصوص الولاة المسألة الأولى: من قال إن الشعب التونسي يريد الحفاظ على نفس التنظيم الاداري الاستبدادي السابق الذي يعطي النفوذ المطلق للوالي والمعتمد والعمدة كل في مجاله. ومن قال إن الشعب التونسي لا يريد تنظيما جديدا ديمقراطيا وخاضعا لمراقبته ومحاسبته؟ مع العلم أن شرارة الثورة انطلقت من الاحتجاج على الغبن والمقت اللذين يعاني منهما الشعب لا من السلطة المركزية فحسب بل كذلك من السلطات الجهوية، المصاغة على قياس الاستبداد في أعلى الهرم. وهو ما يفسّر ردّة فعل الجهات على الولاة الجدد المعينين. المسألة الثانية قد يقال لنا إننا في فترة مؤقتة ونحن نقول إن مجلسا لحماية الثورة هو الحلّ. كيف اعتقلت يومين قبل الثورة.. ما السبب وما الذي حصل وكيف عشت الثورة من داخل زنزانتك بالداخلية؟ ـ اعتقلت يوم 12 جانفي 2011 وكان ذلك 24 ساعة بعد أن دعا حزب العمال الى رحيل بن علي.. وتكريس رغبة الشعب في تغيير النظام السياسي الدكتاتوري وإقامة النظام الديمقراطي. وكان حزب العمال، الحزب الوحيد داخل تونس الذي عبر عن مثل هذا الموقف في ذاك التوقيت، لأن الأحزاب الأخرى كانت تطالب بالاصلاح السياسي مع بن علي وباشرافه (تصريحات تلفزيونية.. حكومة الانقاذ الوطني التي اقترحها الحزب الديمقراطي التقدمي باشراف بن علي في انتظار الانتخابات الرئاسية 2014). إذن كسر الأعوان الباب (المنزل) ودخلوا وروّعوا ابنتي الصغرى التي فرّت الى الجيران، حوالي الحادية عشرة صباحا، واعتقلوا من كان في الشقة أنا ورفيقي محمد مزام والسيدة منية عبيد صديقة العائلة. وأخذونا إلى مقرّ وزارة الداخلية وتحديدا مقرّ سلامة أمن الدولة بعد أن استحوذوا على حاسوب زوجتي الشخصي وعلى جهازي تصوير وعلى هاتفي محمد مزام والسيدة منية عبيد، في مقر سلامة أمن الدولة بقيت طيلة ثلاثة أيام مغلول اليدين ليلا نهارا ووقع سؤالي في البداية عن بعض تصريحاتي لوسائل الاعلام، التي فيها دعوة الى تغيير نظام الحكم.. وقد رفضت الاجابة عن أي سؤال.. وبعد ذلك نقلت الى أحد المكاتب وفي الليل الى كهف الوزارة المعروف بـGéôle ولم يقع استجوابي من جديد.. غير أنني لاحظت تغييرا في المعاملة.. فبعد الهجوم الأول شعرت بأن المطلوب أصبح احتجازي لا غير وقد سمعنا في يوم 14 جانفي.. يوم 14 جانفي سمعت بداية من الساعة التاسعة والنصف أو العاشرة (وكان دائما مغلول اليدين) هدير أصوات.. تحتجّ وتطالب بالحرية كانت مفاجأة بالنسبة إليّ.. بأن تتجمّع أمام وزارة الداخلية لم تكن لي أية معلومة لا عن تغيير وزير الداخلية مساء الخميس، فقد كنت معزولا بالكامل.. ومع مرور الوقت كان هدير الأصوات يتعاظم.. وقد لاحظت ارتباكا على وجوه الأعوان الذين كانوا يدخلون عليّ من وقت الى آخر.. حوالي الساعة الواحدة والنصف سجلت حركة اضطراب كبيرة في صفوف الأعوان الذين كانوا يركضون في الممرّات ويصيحون: «هجموا على الداخلية.. هجموا على الداخلية.. سكّر الباب.. سكّر الباب». ما هو الباب؟ ـ باب نهج عبد العزيز تاج على يمين الباب الكبير.. ويواصلون القول: «ويني العصيّ.. ويني العصي» ثم سمعت دويّ اطلاق القنابل المسيلة للدموع... وكان الأعوان من وقت الى آخر يجلبون احد الموقوفين ويشبعونه ضربا.. ٭ ألم تتحدث معهم؟ ـ أبدا... لم أتحدث معهم لأنني كنت في زنزانة انفرادية ومشدودا الى الفراش بالكلبشة من اليد اليمنى ولا أقدر على الحركة... حوالي الثالثة او الثالثة والنصف نقلت الى مكتب المسؤول الاول عن فرقة سلامة أمن الدولة الذي كان مرفوقا بمسؤول آخر وهناك أبلغتُ أنني سأغادر. عندها سألتهم: «علاش شدّيتوني.. وعلاش سيّبتوني»؟ فقال لي أحدهم «تعليمات..». وقد فهمت من كلام هذين المسؤولين ان الأوضاع اتخذت «منحى خطيرا في البلاد» ولاحظت تشديدا من مسؤول أمن الدولة على ضرورة مرافقتي حتى المنزل والتأكد من وصولي اليه... وقد فهمت أن الأمر لا يتعلق بمراقبة، بل باضطراب داخل الجهاز ذاته... وقد سمعت العون الذي كلف باقتيادي الى المنزل يقول «ما تبعثش معاي إليّ يجي» وكأنه يبحث عن أعوان يثق بهم او قادرين على الحماية.. ولم يغادر الأعوان الا بعد ان تأكدوا من دخول المنزل. ٭ كيف علمت بفرار بن علي وتغيير وزير الداخلية ومتى؟ ـ عندما وصلت الى المنزل، وفتحت قناة «الجزيرة» علمت أن بن علي قد فرّ... بمعنى آخر انا عدت الى منزلي وهو غادر البلاد... كما علمت بتعيين وزير داخلية جديد، وبأن راضية (زوجته) كانت من أولى المتجمعين أمام مقر وزارة الداخلية صباحا بمعية السيدة ريم الحمروني زوجة محمد مزام الذي أطلق سراحه في نفس الوقت الذي أطلق فيه سراحي، وكذلك كان مع راضية (النصراوي) جلول عزونة. وعندما عرفت ان وزير الداخلية قد تغيّر فهمت وقتها سرّ تغيّر معاملتي بزنزانة الداخلية. من هجوم وأسئلة تخفي تهمة بمحاولة قلب نظام الحكم، الى مجرد احتجاز في انتظار قرار جديد، (حيث اصبح حمة الهمامي ينادى له في الزنزانة: «سي حمة»... أو «الأستاذ»..). وبطبيعة الحال لا ننسى أننا كنا في الثلاثة أيام الأخيرة لبن علي والتي كانت فيها الأحداث تتسارع، بطبيعة الحال، الفضل في إطلاق سراحي يعود بالطبع الى هذا الشعب الثائر الذي حرّر نفسه وحرّر معظم المعتقلين.. ٭ قابلت بن علي مرّة واحدة على ما أظن، ماذا دار بينكما ومن أسس لهذا اللقاء؟ ـ قابلتُ بن علي مرة واحدة كانت الأولى والأخيرة. في مارس 1989 كان ذلك بطلب منه، عبر عون من الرئاسة، ترك رقم هاتف وطلب مني الاتصال بالرئاسة. ولما اتصلت أعلمني مخاطبي بأن بن علي يريد مقابلتي، فأعلمته بأنني سأراجع رفاقي وأخاطبه ولما اتفقنا في الحزب على قبول الدعوة اتصلت بالرئاسة وحصلت المقابلة في اليوم الموالي دامت حوالي 45 دقيقة (وقد اتجه الى قرطاج في تاكسي) تكلمت أنا في معظمها، وكان محور المقابلة «تغيير 7 نوفمبر» وكان موقفي وقد نشر لاحقا في الصحافة واضحا قلت له: «لا وجود لتغيير فعليّ وحقيقي» الدستور هو هو، والقوانين هي هي، والبوليس هو هو... وحتى العمدة هو هو..». وأضفت: لا يمكن حدوث تغيير ديمقراطي دون إزالة الأسس التي قامت عليها الدكتاتورية التي قامت في عهد بورقيبة، أي الحكم الفردي للرئيس وهيمنة الحزب الواحد، واستبداد البوليس بالمواطنات والمواطنين... وتسخير القضاء لتصفية الخصوم..». ردّ بن علي على كلامي بالقول وأسوقه بالحرف: «لازم ردّان البال من dérapage اي الانزلاقات.. ونحن ياخي وين كنّا وين اصبحنا..». أجبته: «الانزلاق لا يمكن ان يكون ذريعة للاستمرار في النهج السابق وفي افراغ طموحات الشعب التونسي من محتواه... الشعب التونسي يريد تحرير الحياة السياسية وهو ما يقتضي مثلا إلغاء مجلة الصحافة وإلغاء قانون الجمعيات وإلغاء قانون الاحزاب الذي سنّ حديثا.. ولكن ما يلاحظ هو أنه وقع الحفاظ على جوهر القوانين السابقة مع تحويرها جزئيا.. بل وقع سنّ قوانين جديدة لا تقلّ قمعية عن القوانين السابقة، مثل قانون الأحزاب». ثم ان بن علي حاول اقناعي بدخول الانتخابات التشريعية في قائمات مستقلّة.. فرفضت أي مشاركة في تلك الانتخابات، وقد علّلت هذا الرفض بأن شروط الانتخابات الحرة غير متوفرة.. في آخر اللقاء سألني بن علي عن أحوالي، وعن وجودي في البطالة.. إذ كنت أطردت من الشغل في أواخر عهد بورقيبة (لم يشتغل حمة الهمامي في حياته سوى عامين ونصف كأستاذ في غير اختصاصه.. واختصاصه هو الآداب والحضارة العربية الاسلامية) وقد درّست تلامذة التكوين المهني، كيف يكتبون الرسائل الادارية! كما درّستهم بعض مبادئ الاقتصاد السياسي. ماذا قلت لبن علي حول بطالتك؟ ـ قلت له: صحيح أنا عاطل عن العمل، ولكن على الأقل زوجتي تشتغل محامية، بينما يوجد الآلاف من قدماء المساجين السياسيين والنقابيين وغيرهم، الذين لا هم يشتغلون ولا زوجاتهم لهنّ شغل.. وأن المطلوب ليس حلا فرديا وأن المطلوب ليس حلا فرديا لفلان أو علاّن، بل عفوا تشريعيا عاما يشمل الجميع ويعيد إليهم حقوقهم المدنية والسياسية ويعوض لهم ما لحقهم من أضرار.. فكان جواب بن علي: «فهمتك».. ومنذ ذلك الوقت لم أعرف في عهده إلا السرية والسجن، وحتى الفترات القليلة التي قضيتها مع زوجتي وبناتي فهي كانت تحت المراقبة الدائمة.. بن علي فهمك منذ 22 سنة قبل الشعب التونسي يعني؟ ـ فعلا، فهم أن لا حمّة الهمامي ولا حزب العمال قابل بالمساومة على حرية الشعب التونسي وكرامته.. وفي الحقيقة لم نكن الوحيدين الذين لم نساوم.. فهناك العديد من الأحرار من النساء والرجال المنظمين وغير المنظمين وفي كافة الميادين الذين قدموا التضحيات الجسام بما في ذلك التضحية بحياتهم من أجل إبقاء جذوة النضال قائمة وإعداد المناخ لثورة الشعب التونسي. هل وقعت مساومتك الآن كشخصية وكحزب؟ ـ لم يتصل بنا أحد.. ولمي عرض علينا أحد أيّ شيء.. لأن مواقفنا واضحة، ولو عرض علينا شيء، لكشفناه أمام الرأي العام كما كان دأبنا دائما.. وقع أمس حظر نشاط «التجمع الدستوري الديمقراطي» عن طريق قرار من وزارة الداخلية؟ ـ نحن نطالب بحل هذا الحزب باعتباره أحد أركان الدكتاتورية طيلة أكثر من نصف قرن والمطلوب بعد الحل توزيع ممتلكاته على كل الأحزاب الديمقراطية كما حصل في البلدان الديمقراطية. |
تعليقات
إرسال تعليق