المهمة الملحّة لإنقاذ الثورة
المهمة الملحّة لإنقاذ الثورة
نحن شعب لا نستسلم ننتصر أو نموت
ساهمت الأحداث والتطورات الأخيرة في دفع عملية الفرز السياسي بين القوى الداعمة للثورة والقوى المعادية لها.أهم هذه الأحداث الهجوم البوليسي الفظيع الذي قامت به الحكومة، المرقّعة أخيرا، على المعتصمين بساحة القصبة وما تبع هذا الهجوم من مغالطات ومناورات كانت ترمي إلى تشويه مناضلي المناطق الداخلية للبلاد الذين مثلوا العود الصلب ضمن قوى الانتفاضة والذين قدّموا أطول قائمة من الشهداء. وشملت عمليات التشويه كل الطاقات الصادقة التي ساندت وحاولت حماية هذا الاعتصام الشرعي والسلمي.لكن مغالطات الحكومة ومناورات أجهزتها الإعلامية والبوليسية غدت مفضوحة بعد سويعات فقط من تنفيذ الهجوم مما يؤكد يقظة المواطنين والمناضلين على اختلاف مشاربهم ووعيهم بحقيقة هذه الحكومة كاستمرار وتواصل لنظام الاستبداد وأساليبه القمعية.أما شدة العنف الذي تعرض له المعتصمين وما تبعه من إيقافات وتهديد بالمحاكمة تؤكد مرة أخرى أن ماكينة القمع بذراعها القضائي لاتزال تشتغل تحت إمرة رجالات العهد القديم وأن "تكنقراطية" الحكومة المنقحة ليست إلا أكذوبة سخيفة ومناورة لبث الرماد في العيون. حكومة تقاسم الأدوار بين تقنيي الدوائر الخارجية وبين أخلص المخلصين لنظام بن علي وفي مقدمتهم محمد الغنوشي وبين خونة الثورة من الأحزاب اللبرالية اللاهثة وراء الكراسي الوزارية والرافعة لرايات الثورة المضادة والمنقادة بالأوراق الأمريكية في المحافظة على مؤسسات النظام القديم التي لا سند شعبي لها ولا شرعية .وإلى جانب ما تعرض له الطلبة والتلاميذ من عنف خلال احتجاجات يوم أمس تؤكد شهادات العديد من المواطنين والناشطين في مختلف الجهات وخاصة تونس العاصمة والقصرين أن البوليس السياسي وأجهزة القمع وميليشيات التجمع لاتزال طليقة الأيدي في التنكيل بقوى التحدي والصمود. بالمقابل ليس لممثلي حركة التجديد والحزب الديمقراطي التقدمي أيّ وزن سياسي فيما تتخذه حكومة الغنوشي ـ فلدمان والأجهزة الأمنية من قرارات ولا حكم لهم فيما يجري من أعمال عنف واعتداءات على قوى الثورة وحتى على بعض مناضليهم. والبيان الأخير للسيدة مية الجريبي لم يعد يتحدث عن الثورة بل عن النهج الإصلاحي لحزبها.لقد ترك رجالات النظام القديم دور الديكور الديمقراطي لحزبي التجديد والتقدمي كما. تركه في السابق بن علي للأحزاب الكرتونية. وليست تنديدات هذه الأحزاب وبياناتهم الأخيرة ومطالبتهم للحكومة التي يجلسون بداخلها بالكف عن أعمال العنف إلا دليل واضح عن عجزهم السياسي وعن الدور الحقيقي الذي عهدَ به النظام القديم وأمريكا لقادة هذه الأحزاب، أي دور تخريب الثورة.ولكن قوى الثورة، بتنوعها وزخمها النضالي ووعيها السياسي وجماهيرها وحقوقييها ونقابييها ومنظماتها وأحزابها لم تقل كلمتها الأخيرة، رغم تشتت قواها، وهي تواصل المقاومة والصمود وهي تنهض وتعاود النهوض هنا وهناك بألف شكل وألف مبادرة وبآلاف الوجوه والضمائر رغم تهديدات البوليس وهراواته.شعبنا يزخر بالطاقات الثورية القادرة على دفع الثورة إلى الأمام وتحقيق أهدافها في إسقاط حكومة الردة وحل التجمع وحل أجهزة البوليس السياسي وحل المؤسسات الصورية التي اغتصبت إرادة الشعب طيلة 23 سنة من حكم بن علي. لنتذكر أن المتآمرين على الثورة والذين يتحكمون في هذه الحكومة كانوا أقزاما عندما كان بن علي عملاقا!ولكن تحليلنا لصيرورة الثورة لا يجعلنا نغض الطرف عن مكامن الضعف فيها. فقوى الثورة في حاجة إلى مغادرة موقعها الدفاعي الحالي وضرورة المرور إلى سياسة الهجوم على قوى الردة والخيانة. فالمرحلة الراهنة لم تعد فقط مرحلة تظاهرات واحتجاجات وتنديدات بالحكومة الحالية. يجب أن يمرّ المواطنون إلى المبادرة الأكثر جرأة. يجب أن تنخرط الجماهير في المهمة التي ستنهض بالثورة وتعطيها نفسا جديدا تاركة الحكومة الحالية في مواقع الدفاع والشلل السياسي. هذه المهمة تتمثل في خلق سلطة شعبية على نحو سلمي وديمقراطي وجماهيري. هذه المهمة تتطلب انتخاب الشعب لممثليه الثوريين. لتحقيق ذلك نقترح ما يلي:أولا، عدم الاعتراف بأي سلطة مهما كان حجمها وبأي ممثل للحكومة الحالية.ثانيا، رفض أي انتخابات تدعو لها هذه الحكومة أو تشرف عليها.ثالثا، في مقدور الشعب أن يقوم بانتخاب ممثليه في أقرب وقت، اليوم وليس غدا.رابعا، عملية الانتخاب الديمقراطية والعلنية والجماهيرية تتكلف بها لجان المواطنة وتتم في أقرب الآجال.خامسا، ممثلو الشعب الذين يقع انتخابهم في المدن والقرى يكوّنون مجالس مؤقتة للثورة يمثلون القاعدة الجماهيرية والشرعية للحكومة المؤقتة الثورية القادمة.سادسا، مقرات مجالس الثورة هي المعتمديات والولايات والبلديات ومقرات التجمع.سابعا، تقوم مجالس الثورة استنادا إلى شرعيتها الانتخابية بحل كل مؤسسات الدولة غير المنتخبة بما في ذلك المجالس البلدية الحالية التي جاءت بها انتخابات مزيفة.ثامنا، على مناضلي الأحزاب والمنظمات المدنية والنقابات أن ينخرطوا بكل قواهم في خدمة عملية تنظيم الانتخابات وأن يحرصوا على أن تكون المجالس الثورية المنتخبة مكونة من خيرة المناضلين والمناضلات دون إقصاء لأي كان من قوى الثورة ودون حسابات سياسوية ضيقة.قد يبدو أن الدعوة إلى انتخابات ثورية عملية صعبة ومعقدة. هي كذلك إذا ما تركناها تنتظر نسق الأحزاب السياسية وتحالفاتها. ولكن الأمور ستسير على نحو مختلف تماما إذا ما أخذت الجماهير بزمام المبادرة وتبنت العملية الانتخابية وتكلفت بتنظيمها بالإعتماد على قواها الذاتية دون أي وصاية سياسية. دور المناضلين يكمن في الإرشاد والاقتراح لا في الوصاية ولا في التحكم في مجرى الثورة فالشعب التونسي برهن عن وعي سياسي لا مثيل له ولاتزال استعدادات أغلب الأحزاب السياسية والمعارضة متخلفة عن وعي الجماهير وعن استعداداتها الثورية. وفي كل الحالات من مصلحة الأحزاب أن تترك المبادرة للجماهير المنتفضة وتدفع بها إلى الأمام. نحن نعتقد أن انتخاب ممثلي الشعب في مجالس ثورية حتى وإن كان تواجد الأحزاب السياسية ضعيفا بداخلها هو الذي سيولد وضع سياسي هو أكثر ديمقراطية وأكثر حرية بألف مرة من أي تطور سياسي مغاير تتحكم فيه هذه الحكومة أو أي حكومة أخرى.من الممكن انتخاب مجالس الثورة أينما أبدى المواطنون استعدادهم لذلك واقتنعوا بضرورتها لإنقاذ الثورة، خاصة في القرى والمدن والجهات الأكثر نضالية ونهوضا. إذا نجح مثل هذا المسار الانتخابي، ولو جزئيا ولو في بعض المناطق، سيزود الثورة بنفس جديد وسيرفع معنويات الجماهير ويعطيها الثقة بذاتها وبقواها وسيؤدي حتما إلى شلل وانهيار حكومة الغنوشي ـ فلدمان.وفي كل الحالات سيبين المسار الانتخابي لممثلي الشعب طريق خلاص الثورة وسيعطي للجماهير المنتفضة قوة جبارة وسيضاعف من عزمها وإرادتها آلاف المرات. كما ستنهار كل الحجج السياسية، من قبيل الفراغ السياسي وغياب المؤسسات وخطر الفوضى، التي تتشدق بها أحزاب خيانة الثورة في دعمها للحكومة الحالية.لن تنقذ الثورة إلا مبادرة الجماهير ولن يملئ الفراغ السياسي والمؤسساتي إلا جرأة الجماهير،لا حسابات أحزاب الكراسي ولا وزراء الغنوشي ولا وزراء الطباشير والبقدونس.فلينتخب الشعب ممثليه الثوريين، اليوم وليس غدا وسترتعد فرائص قوى الردة والخيانة
. سمير حمودة1 فيفري 2011
تعليقات
إرسال تعليق