ورقة إعلامية حول ندوة : من أجل إصلاح تربوي ناجع
نظمت النقابة الجهوية للتعليم الأساسي بتونس يوم السبت 22 ماي 2010 يوما دراسيا تحت عنوان من أجل إصلاح تربوي ناجع وهي مبادرة يقول عنها أعضاء مكتب النقابة الجهوية أنها خطوة ضرورية لمزيد توضيح موقف نقابيي التعليم الأساسي من السياسة التعليمية القائمة ومبادرة لابد منها اليوم للتمهيد لتفعيل مطالب رجال التعليم الابتدائي التي تضمنتها اللائحة المهنية لمؤتمر قطاعهم الأخير الذي انعقد في جوان 2009 والذي عبروا فيه عن رفضهم للاختيارات الرسمية العشوائية وللارتجال في الحقل التربوي وشددوا فيها على تمسكهم بتعليم عمومي مجاني وإجباري وديمقراطي وطالبوا بضرورة تشريك المعلمين في كل ما يهم الشأن التربوي عبر هياكلهم النقابية.
الندوة انعقدت على مدار يوم كامل وتوزع محتواها على فترتين واحدة صباحية قدمت فيها ثلاث مداخلات كانت الأولى بعنوان نقابة المعلمين التونسيين والتجربة الأولى لإصلاح التعليم زمن الاستعمار و قدمها الأستاذ عبد العزيز الخماسي والثانية قدمها السيد مسعود الفيلالي وهو بحث قام به بعنوان التوجهات التربوية في تونس ما بعد 56 من خلال الإصلاحات الكبرى والكتاب المدرسي. أما المداخلة الثالثة فقد كانت تحت عنوان عمل المؤسسة التربوية في التعليم الابتدائي : واقع وآفاق. وقد تبعت هذه المداخلات الثلاثة نقاشات شارك فيها الحضور
وتواصلت الندوة في حصتها المسائية حيث قدم السيد سليم غريس عضو النقابة العامة مداخلة حول مشاركة النقابة العامة التعليم الأساسي في اجتماعات لجنة تجويد البرامج وأُستغل الوقت المتبقي لتنشيط ورش حول موضوع اليوم الدراسي.
المداخلة الأولى
أشار الأستاذ عبد العزيز الخماسي في بداية مداخلته إلى أن المعلمين التونسيين كانوا من الأوائل الذين كانت لهم ردود فعل تجاه ممارسات المستعمر الفرنسي في بداية القرن الفائت حيث استطاعوا ومنذ سنة 1919 من أن ينتظموا في هيكل جمعهم حول اهتماماتهم الوطنية والمهنية ونجحوا في بلورة برنامج إصلاحي تتداخل فيه المطالب الوطنية مع المطالب المهنية وتمكنوا من رفعه أمام دائرة التفاوض مع دولة الإستعمار ونجحوا في فرضه وتطبيقه.
كما ذكر الأستاذ الخماسي أن أول هيئة منظمة للمعلمين التونسيين كانت دوافع تأسيسها إضافة إلى الدوافع الوطنية والتي لها صلة وحسب وثيقة مكتوبة حصل عليها الباحث من أرشيف النقابة العامة للتعليم الأساسي بما حدث قبل 1919 من احتجاجات ومعارك ضد المستعمر دوافع أيضا مهنية أنتجها رفض معلمي العربية التونسيون للتصرفات والممارسات الاستعمارية في قطاعهم وهو ما دفعهم إلى وعي أهمية التنظم بشكل مستقل قطاعي ومهني في هيكل يوحد صفوفهم ويؤسس رؤاهم ويجمع مصالحهم فأسسوا سنة 1919 الجمعية الودادية لمعلمي اللغة العربية.
وأعتبر السيد الخماسي أن الجمعية الودادية لمعلمي اللغة العربية تعتبر أول تنظيم إلتفّ حوله المعلمون التونسيون وجعلوا له أهدافا وشرعوا في العمل من أجل تحقيقها وقد تلخصت مطالبهم خاصة في ـ مساواة معلمي اللغة العربية بمعلمي اللغة الفرنسية في المرتبات والمنح و جعل اللغة العربية إجبارية في الشهادة الابتدائية و إصلاح التعليم.
لكن ونظرا لعدة ظروف عرفت هذه الجمعية في بداية نشاطها عدة عراقيل حالت دونها ولعب الدور الذي تأسست من أجله. ولم تسترجع الجمعية إشعاعها إلا سنة 1927 حيث إشتد عودها بعد أن أصبح لها فروع وبعد أن تكتل المعلمون التونسيون على اختلاف أصنافهم بقطع النظر عن اللغة التي يدرسون بها وانظموا إلى الودادية. هذه الخطوة ساهمت في نشوء وعي نقابي في صفوف منتسبي الودادية ففكروا في تحويل الودادية إلى نقابة وهو ما تجسد بالفعل سنة 1937 فتحولت الودادية إلى ـ نقابة المعلمين التونسيين للتعليم العربي العمومي ـ ثم فيما بعد إلى ـ النقابة التونسية للتعليم العمومي ـ سنة 1945.
لقد كان لهذه النقلة دور حاسم في التفاف المعلمين التونسيين حول مطالبهم وفي تثبيت عمل النقابة الوليدة والتي تمكنت من تحقيق مطلب مساواة معلمي اللغة العربية بنظرائهم معلمي الفرنسية من الفرنسيين في المرتبات والمنح إضافة إلى مكاسب أخرى.
وأشار كذلك السيد الخماسي إلى أن عمل نقابة المعلمين زمن الإستعمار المباشر لم يقتصر فقط على الجانب المهني المطلبي بل تعداه إلى مجال آخر مهم بالنسبة لقطاع التعليم ألا وهو تبني برنامج إصلاح وطني للتعليم والنضال من أجل تحقيقه يرتكز على الدفاع باستماتة عن الهوية واللغة العربية ومستقبل أبناء الشعب التونسي.
وأنهي السيد الخماسي مداخلته بالقول ـ "فلينظر نقابيو رجال التعليم ما أقدم عليه زملاءنا وحققوه في عهد الإستعمار وإلى أي مدى اتسعت رقعة مطالبهم وتنوعت حيث كانت تتجاوز بكثير مجال اهتمامنا اليوم... فما نصبو إليه اليوم ... هو جعل العمل النقابي هادفا نحو تحسين كل ما له صلة بمهمتنا كمربين ... فلْنقْتَدِ بالشعار الذي رفعه زملاؤنا سنة 1927 أن " لا إصلاح للتعليم إلا بإصلاح حال المعلم" .
المداخلة الثانية
بدأ الباحث السيد مسعود الفيلالي بتوضيح العلاقة بين محتوى مداخلته التي عنونها بـ التوجهات التربوية في تونس ما بعد 56 من خلال الإصلاحات الكبرى والكتاب المدرسي وعنوان اليوم الدراسي مبرزا أن هذه العلاقة تتأتى من أهمية دراسة هذه التوجهات والخروج منها بدروس واستنتاجات هي اليوم ضرورية إذا ما أراد المجتمع المهني أي [القطاع] الطرف الأساسي في العملية التربوية أن تكون له كلمته في المسألة التربوية تاريخا مسارا وحاضرا ومستقبلا مؤكدا على أهمية أن يكون للقطاع وعبر هياكله النقابية موقف وبرنامج وبديل في ما يخص السياسة التربوية خصوصا أمام الرغبة في التحكم في المدرسة والخوف منها وأمام هيمنة السياسات الدولية على مشاريع الإصلاح التربوي.
وقد أشار الباحث إلى أنه بقدر ما للبديل من أهمية اليوم فإنه لابد من الوعي بأن أول إستراتيجيات هذا الفعل هو أن يحدّد أي مقاربة إصلاحية يدعم. هل يدعم مقاربة تجميلية غايتها إرضاء صانع القرار الدولي الذي يأخذ على المدرسة في البلدان العربية تخلفها وتفريخها للإرهاب. أم مقاربة إصلاح وطني ترتكز على منظومة قيم تشمل المواطنة الاجتماعية والسياسية والحقوق المدنية وفق أيسر السبل التربوية وأكثرها ملاءمة لواقع مجتمعاتنا من منظور متكامل يخدم مصالح هذه المجتمعات في عالم تحتدم فيه المصالح والنزاعات.
وبعد أن قدم الباحث لمحة عن المرتكزات التي قامت عليها التوجهات التربوية في تونس ما بعد 56 أشار إلى أهم الاستنتاجات التي وقف عليها في بحثه والتي يمكن أن نذكر منها :
ــ إن دولنة التعليم في تونس جعلت الكتاب المدرسي ناطقا باسم الأيديولوجيا الرسمية .
ـ الإصلاحات الثلاثة إصلاح 1958 ـ إصلاح 1991 ـ إصلاح 2002 كلها قامت على الجهاز النظري الذي حكم المسألة الثقافية في تونس ومن ضمنها المسألة التربوية وهو [نحن أمة ولنا شخصيتنا التونسية] وأنتج خطابا أيديولوجيا رسميا تبريريا يتبنى مصطلحات ـ الثقافة القومية والوحدة القومية ـ الحس المدني و الانتماء الحضاري ـ التسامح والاعتدال والتفتح على الحداثة ـ التضامن والمتوسطية والكونية.
ـ التعليم وفي إطار التوجهات التي سادت بعد 56 لم يكن يهدف لغير استمرار هيمنة الطبقات السائدة وتأبيد الوضع القائم.
ـ كل التوجهات التربوية في تونس لم تكن تخدم في الأخير الإنسان الذي قامت من أجله بقدر ما كانت مظاهر خادعة للعبة الهيمنة و المحافظة على الأزمة.
وأنهى السيد الفيلالي مداخلته متسائلا ألا يحق لنا أن ننادي مثلما نادى عديد الباحثين في العالم العربي بالعودة إلى" ... "الكتلة الثقافية التاريخية" أي مجتمع الأولياء والنقابات ككتلة يفترض أن تكون فاعلة بأن يكون لها إسهامها في تحديد عوامل الأزمة واستشراف أفاق الحل."
المداخلة الثالثة
المداخلة الثالثة والتي بعنوان عمل المؤسسة التربوية في التعليم الابتدائي: واقع وآفاق قدمها السيد عادل بنعثمان الذي بدا مداخلته بالتساؤل عن مدى تأهل مكونات المنظومة التربوية التونسية لمواكبة التحولات العميقة والمتسارعة ومدى قدرتها على تحقيق المضامين والأهداف التي رسمتها لنفسها. وللإجابة على هذا التساؤل هيكل مداخلته في ثلاثة عناوين كبرى.
أولها الموارد المادية للمدرسة الابتدائية : جهود يحبطها الإهمال وسوء التوزيع متخذا كنموذج على ذلك إثنين من المشاريع التربوية هما الأقسام التحضيرية وإدماج تكنولوجيا الاتصال والمعلومات واللذان يتجلى فيهما هذا الإحباط وسوء التوزيع أحسن تجل. فأشار إلى غياب الصيانة وغياب الحماية اللازمة للتجهيزات وتقادم الأجهزة وغياب برنامج تكوين معمق موجه للمعلمين وغياب فرص تمكين المعلم من استغلال مخبر الإعلامية وعدم وجود الآلية المنظّمة لقبول الأطفال في الأقسام التحضيرية وغياب الاختصاص والاحترافية لدى المعلمين الذين يشرفون على التعليم التحضيري والانقطاع مع التقدم في السنة الدراسية.
واستخلص من ذلك أن المدرسة التونسية اليوم تفتقر إلى جملة من الحاجيات ذات الأولوية. ولا بد للعمل النقابي أن يهتم بهذا المستوى نظرا لتأثيره المباشر على عمل المعلم وعلى مردودية التعليم.
العنصر الثاني الذي تعرض له السيد بنعثمان هو الموارد البشرية : المناخ التواصلي قاعدة لإنجاح عمل المؤسسة التربوية وتعرض فيه إلى ضرورة مراعاة التكوين لحاجيات المشاركين بشكل معقلن فالتكوين يجب أن يكون منطلقه الفرد ثم يترجم هذه الحاجة إلى برنامج جماعي ليصير في النهاية مشروعا شخصيا يتبناه المربي. كما أشار على ضرورة شراكة المعلم في مجال التجديد البيداغوجي وأهمية البحوث التربوية.
أما في العنصر الثالث والذي هو بعنوان البرامج التّعليميّة المقررة فقد أشار السيد بن عثمان إلى التناقضات الحاصلة في تطبيق برنامج المقاربة بالكفايات وأنهى مداخلته بالتأكيد على أن تحسين ظروف عمل المعلمين يقتضي من ضمن ما يقتضي التفكير في عديد المسائل منها كثافة الفصول والتفكير في تخصص المعلمين ولن يتأتى ذلك حسب نظره إلا إذا اقتنعت سلطة الإشراف بضرورة تشريك أوسع المعلمين في كل الاختيارات وخاصة التجديد البيداغوجي.
الحصة المسائية قدم فيها السيد سليم غريس مداخلة حول مشاركة النقابة العامة التعليم الأساسي في اجتماعات لجنة تجويد البرامج فذكر أن مشاركة النقابة العامة للتعليم الأساسي في هذه الجلسات تأتي في إطار تفعيل مطلب تشريك المعلمين في كل ما يهم الشأن التربوي الذي يرفعه القطاع وقد أكد أن النقابة العامة قد قدمت مقترحات حول المسائل التي طرحت في هذه الجلسات وقد ألزمت الأطراف المشاركة بضرورة اعتبار مقترحاتها في الصيغة النهائية للتحويرات التي ستقرر معتبرا أن لا شيء يلزمها إذا لم يقع إدراج اقتراحاتها في التحويرات التي سيعلن عنها في الأشهر القادمة وأن لا شيء يمنعها من معارضة ما سيأتي من قرارات إذا لم تكن تخدم مصلحة المعلم والمتعلم.
النقاش
مداخلات الحاضرين تركزت في أغلبها على جملة من الأفكار يمكن إيجازها في :
ـ أهمية أن يكون لنقابات التعليم في كل درجاته اليوم تصورا حول إصلاح التعليم وأن لا تحصر دورها في الجانب المطلبي فوضع المؤسسة التعليمية وطبيعة السياسات التربوية والإختيارات المكرسة هي مسائل من صميم عمل النقابيين وأحد عناصر العمل النقابي ولا بد من إبلاء هذا الجانب الأهمية التي يستحقها في العمل والفكر النقابي.
ـ أهمية النضال المشترك وتوحيد المواقف بين نقابات التعليم في هذا الباب.
ـ التأكيد على أن برنامجا بمثل هذه الأهمية والتأثير لا يمكن الانخراط فيه إلا من موقع مستقل وعليه فعلى النقابات وعلى رأسها نقابة التعليم الأساسي أن لا تساوم في استقلال القرار القطاعي عن البيروقراطية التي تعودت على مصادرة كل قرار لا يتماشى مع سياساتها.
ـ ضرورة وعي نقابيي التعليم الابتدائي بأن دورهم ليس المساهمة في تمرير السياسة التربوية القائمة والتي بان فشلها بالمشاركات الصورية بقدر ما هو الدفاع عن سياسة تربوية بديلة تخدم مصلحة أغلب أبناء الشعب التونسي.
ـ العمل على بلورة تصور شامل حول إصلاح تربوي ناجع ينطلق من مبدأ الإقرار بفشل منظومة تعليم الكفايات يكون الأساس والمبدأ في كل مفاوضات حول هذا الجانب مع وزارة الإشراف.
ــــــــــــــــــــــــــ
بشير الحامدي
تونس
23 ماي 2010
تعليقات
إرسال تعليق