مشروع قانون منع ارتداء النقاب والبرقع في فرنس


الخلاف القانوني والخلفيات السياسية

بقلم عبدالسلام الككلي

تبنت الحكومة الفرنسية رسميا يوم 19 ماي 2010، مشروع قانون منع ارتداء النقاب والبرقع في فرنسا، بعد عشرة أشهر من المناقشات البرلمانية والحكومية، حيث قررت الحكومة بعد اجتماع لها في قصر الاليزيه، تقديم مشروع من سبع نقاط .ولئن كان المشروع لا ينص على حظر النقاب في كل الأماكن

العامة بشكل صريح، الا انه يتضمن ذلك عمليا مثل حظره في حافلات النقل والمترو والقطارات ووسائل النقل العمومي الأخرى، وأيضا أمام بوابات المدارس والمؤسسات التعليمية، فضلا عن منعه في جميع
المؤسسات العمومية والخاصة. ويغرّم مشروع القانون مرتديته ب150 أورو أو يجبرها على أن تتلقى تكوينا يسمى" التكوين على قيم ومبادئ الجمهورية". كما يقضي بالحبس النافذ لمدة سنة وغرامة ب15 ألف أورو لكل شخص يجبر زوجته أو ابنته أو أخته على ارتداء النقاب.

وتعتزم الحكومة تقديم مشروع القانون إلى البرلمان لمناقشته في جويلية المقبل، ومن ثم إقراره في سبتمبر.

وإذا وقعت المصادقة عليه وهو أمر شبه مؤكد فان بدء العمل به سيكون في ربيع العام المقبل، .

هذا و قد كانت الجمعية الوطنية في فرنسا في مارس 2010 صادقت على إدانة "ارتداء البرقع والنقاب الاسلاميين"، قائلة إنهما يشكلان "إساءة لقيم الأمة الفرنسية" ، ولمبدأ المساواة". وقد تم التصديق على القرار، غير الملزم، بالإجماع، على الرغم من انسحاب 30 عضوا من الحزب الشيوعي والخضر احتجاجا عليه. ولا شك انه يمكن اعتبار هذا القرار غير الملزم نوعا من التوطئة الرمزية الضرورية للمرور إلى صيغة القانون الجزائي ذي الطابع الزجري رغم كل المعضلات القانونية والأخلاقية والسياسية التي يطرحها القانون المشكوك في دستوريته

خلاف قانوني حول دستورية المشروع

قال مجلس الدولة الفرنسي وهو أعلى هيئة إدارية في البلاد في مارس الماضي أن قانونا كهذا يعد انتهاكا للدستور الفرنسي، وكذلك للمعاهدة الأوروبية لحماية حقوق الإنسان.إلا أن المجلس قال أيضا إن القوانين التي تمنع ارتداء الأغطية التي تحجب الوجه يمكن تبريرها من وجهة نظر أمنية، ولأغراض مكافحة الفساد والتزوير . كما أظهرت وجهة نظر المفوضية الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان (التي تم تبنيها في 21/1/2010 بأغلبية 34 صوتا ضد صوتين فقط)، وجود أغلبية في وسط حقوق الإنسان ترفض أي شكل من أشكال التعسف والظلم والتمييز بحق المسلمين، وتقف ضد أية مسوغات للمساس بالحريات عبر تشريع قوانين

كما قالت منظمة العفو الدولية "إن المنع الكامل لتغطية الوجه يمثل اعتداء على الحق في حرية التعبير والتدين لهؤلاء النساء اللاتي يحملن البرقع أو النقاب في الأماكن العامة باعتباره تعبيرا عن هويتهن أو قناعتهن "


كما قال عضو من الحزب الاشتراكي المعارض أنه سيقع إلغاء هذا القانون في حال المصادقة عليه إذ أن آلية المنع ممارسة مرفوضة في فرنسا ومخالفة للمبدأ الدستوري. ويتهم البعض الحزب الاشتراكي باعتماد خطاب مزدوج في ما يخص هذه القضية فهو يعارض تماما البرقع الذي هو عبارة "عن سجن للنساء والذي لا مكان له في الجمهورية" على حد تعبير احد اعضائه، لكنه يرى أن حظره في جميع الأماكن لن تكون له النتائج المرجوة.

وقد قدم الحزب الاشتراكي ربما لأسباب انتخابية إلى الجمعية العامة مشروعا مضادا لمشروع الحكومة والحزب الحاكم بعد الأخذ بعين الاعتبارات لملاحظات مجلس الدولة . ويطالب مشروع القانون الاشتراكي بمنع النقاب في المصالح العمومية والمحلات التجارية فحسب . .

مغامرة قانونية بخلفية سياسية

ويمثل عرض مشروع القانون هذا والمصادقة عليه نوعا من المغامرة القانونية في بلد مثل فرنسا شديد الحساسية للمسائل المتعلقة بالحريات الشخصية . إذ انه مهدد بالطعن في دستوريته سواء أمام المجلس الدستوري أو بالطعن في مدى مطابقته للاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية أمام المجلس الأوربي لحقوق الإنسان. إلا أن الحكومة تبدو على استعداد كامل لتحمل أية تبعات أخطاء قانونية مرتبطة بنص المشروع وذلك لما قد تجنيه من مكاسب سياسية من وراء عرضه . إذ يميل كثير من المحللين السياسيين وخاصة في الأوساط الجمعياتية واليسارية إلى الاعتقاد أن الحملة ضد النقاب تحركها أغراض سياسية . فالحكومة على علم تام أن قانونا حظر النقاب لن يصمد على الأرجح أمام الطعون التي سيواجهها كما انه سيجد صعوبات كبيرة في تطبيقه إذ أن النصوص الإجرائية التي ستتبعه من المحتمل انها ستؤدي إلى إفراغه من محتواه. فمن الصعب جدا أن نتصور في بلد مثل فرنسا رجل شرطة ينزع حجاب امرأة بالقوة أو يقودها بلغة التهديد إلى اقرب مفتشيه من اجل إجبارها على ذلك أو على الإمضاء على محضر ترفض الإمضاء عليه. وهو ما أشارت إليه نقابة الشرطة حين قال متكلم باسمها أن الشرطة الفرنسية لها مشاغل أهم من مطاردة المنتقبات . كما أن تطبيقه على النساء المسلمات الوافدات على فرنسا مثل الخليجيات والسعوديات خصوصا بكل ما يمثلنه من خيرات اقتصادية، سيكون امرا في غاية الإحراج والصعوبة . وعلى الرغم من ذلك تصر الحكومة على عرض مشروع القانون لأنها تضع في اعتبارها الانتخابات الرئاسية سنة 2012 مع العلم أن شعبية الرئيس ساركوزي قد نزلت إلى ادني المراتب في استطلاعات الرأي الأخيرة في حين يغرق الاشتراكيون في خلافاتهم ويهدد اليمين المتطرف الحكومة مشيرا بنفس الألفاظ التي تعود على استعمالها إلى مخاطر المتطرفين الإسلاميين مما يجعل من مغازلة اليمين العنصري امرأ أكيدا وعاجلا ، وهي الوصفة التي طبقها ساركوزي واستفاد منها في 2006. ولكن بعيدا عن الحسابات الانتخابية أو السياسوية وبدون الحاجة إلى التذكير بعلاقة التعبيرات الدينية الإسلامية في فرنسا من الحجاب إلى النقاب إلى الصلاة في الشورارع " بتدهور ظروف الحياة والعمل أمام عدد كبير من الجالية الإسلامية إثر الأزمة الاقتصادية في منتصف السبعينيات وإقفال الحدود وزحف البطالة وما ترتب عن ذلك من تأزم العلاقة مع شبيبة خرجت لسوق العمل لتجد أفقاً تسده عليها رأسمالية متأزمة". وهو أمر صحيح بلا شك فإن الرأي الغالب في فرنسا هو أن "النقاب لا يتعلق فحسب بإظهار المعتقدات الدينية بما يعارض علمانية الفضاء العمومي للدولة، ولكنه مهدد لكرامة المرأة وحقها في إظهار أنوثتها. وتعتبره كل الشخصيات السياسية النسائية (بدون استثناء) بمثابة "سرطان الإسلام المتشدد"، أو "السم القاتل للحريات" إلى جانب كونه، في رأيهن، مظهرا من مظاهر "استعباد المرأة" في بلد لا يمكن أن يقبل على ترابه بنساء "أسيرات يعشن خلف القضبان. كما جاء في احد التقارير حول هذا الموضوع.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معلقة القدس في كف بغداد - للشاعر التونسي ادم فتحي

الاشتراكية أو البربرية : حمة الهمامي

خطير جدا تونس تتحول الى مزبلة نفايات مشعة و معفاة من الاداء الجمركي ..لن نسمح بأن تكون تونس مزبلة نفايات البلدان المتقدمة