هل بدأ العد التنازلي لتجميد العمل بالفصل العاشر
محمد الحمروني
أعلنت جريدة الصريح الصادرة يوم الأربعاء 23 جوان الجاري أن المركزية النقابية لاتحاد الشغل بدأت استعدادات مكثفة لعقد الهيئة الإدارية للاتحاد في الفترة القادمة. وأشارت "الصريح" إلى تزامن هذه الاستعدادات مع تصاعد الجدل حول الفصل العاشر من النظام الداخلي للاتحاد الذي يحدد عدد الترشحات لعضوية المكتب التنفيذي بدورتين فقط. وأثار هذا الخبر، الذي بدا عاديا في ظاهره، انتباه فئات واسعة من النقابيين، الذين حاولوا النبش في خلفية الدعوة لعقد الهيئة الإدارية في هذا التوقيت بالذات، خاصة وان تسريبات شبه مؤكدة تحدثت عن عزم القيادة النقابية الدعوة إلى عقد المجلس الوطني للاتحاد نهاية السنة الحالية. وتتوقع بعض المصادر النقابية المطلعة أن ينحصر جدول أعمال هذين الموعدين (الهيئة الإدارية والمجلس الوطني) في النظر في مسالة الفصل العاشر.
وجاء الإعلان عن عقد الهيئة الإدارية وما ترافق معه من تسريبات عن عقد المجلس الوطني للاتحاد في نوفمبر القادم بعد التصريحات التي أطلقها مؤخرا السيد رضا بوزريبة الأمين العام المساعد للاتحاد وقال فيها إن الفصل العاشر فصل ككل الفصول يمكن إلغاؤه أو تعديله أو الإبقاء عليه كما هو.
ويرجح عدد من النقابيين أن يكون تصريح بوزريبة وما تلاه من تحديد لموعدي الهيئة الإدارية والمجلس الوطني مؤشرا على أن القيادة النقابية حسمت خيارتها في ما يتعلق هذه القضية الحساسة. ويذهب هؤلاء إلى حد التأكيد على أن قيادة الاتحاد انتهت من وضع المخارج القانونية التي تسمح لها بتجاوز العقبات التي يضعها هذا الفصل أمام أعضاء المكتب التنفيذي، ورتبت لتحقيق هذا الأمر جملة من السيناريوهات.
ومن تلك السيناريوهات إصدار المجلس الوطني القادم توصية للمؤتمر تقضي بتجميد العمل بأحكام الفصل العاشر، وتسمح بالتالي لأعضاء المكتب التنفيذي الحالي بتجديد ترشحاتهم. وسيمكن هذا السيناريو القيادة النقابية من ربح الكثير من الوقت وتجاوز جملة من العقبات القانونية والإجرائية، ويعفيها بالتالي من إمكانية اللجوء إلى مؤتمر استثنائي أسوة بما حصل في مؤتمر جربة الذي شكل سابقة في هذا الخصوص.
لكن بعض النقابيين قللوا من أهمية مثل هذا الإجراء الذي يمكن أن تعمد إليه المركزية النقابية، لان المجلس الوطني كما قالوا ليس له من الصلاحيات التشريعية ما يسمح له بإلغاء مقررات المؤتمر العام، وكل إجراء سيتخذه المجلس بخصوص نظام الدورتين سيكون غير شرعي. ويستند أصحاب هذا الرأي على الفصل الثامن من النظام الداخلي للاتحاد وخاصة الفقرة (هـ) منه التي تنص صراحة على أن مهام المجلس الوطني تنحصر في "بحث جميع القضايا في دائرة مقررات المؤتمر والخيارات الكبرى طبقا لتوجهات الاتحاد ..والبت فيها". ويطالب هؤلاء الرأي الأمين العام للاتحاد السيد عبد السلام جراد بالوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه في حواره الذي أجراه يوم 12 ديسمبر 2006 مع جريدة "الشروق" ووعد فيه صراحة بأنه لن يعيد ترشحه مرة أخرى بعد مؤتمر المنستير.
بيد أن عددا من النقابيين يرون أن القيادة الحالية التي أحالت عشرات النقابيين على مجلس النظام وجمدت نشاط العديد منهم ونجحت في ضرب هياكل لها وزنها في الاتحاد على غرار الاتحاد الجهوي بتونس، لن تعير مسالة الشرعية بالشكل الذي تطالب به المعارضة النقابية، كثير اهتمام على حد تعبير إحدى القيادات النسوية للاتحاد. ولا يستبعد هؤلاء أن تعمد القيادة النقابية إلى إعادة سيناريو المجلس الوطني الذي انعقد أيام 20 و21 و22 ديسمبر سنة 2001 والذي تم خلاله تجميد العمل بأحكام الفصل 11 من النظام الداخلي الذي نص على ضرورة أن يكون المترشحون لعضوية المكتب التنفيذي "متحملين ومباشرين لمسؤولياتهم النقابية لمدة 6 سنوات متتالية ...".
وفي التقرير العام الذي صدر عن المجلس دعا السيد عبد السلام جراد الذي تولى الأمانة العامة حينها نيابة عن السيد إسماعيل السحباني إلى "تعليق الفقرة الثالثة من الفصل 11 من النظام الداخلي لتمكين الذين تتوفر فيهم الشروط القانونية ولكنهم لا يباشرون المسؤولية النقابية من الترشح للمؤتمر .." على حد تعبيره.
التوازنات
ولضمان تمرير أي قرار تتخذه القيادة في المجلس الوطني، عملت هذه الأخيرة منذ مؤتمر المنستير إلى الآن على تحقيق أمرين:
الأول : ضرب كل القيادات النقابية التي عطلت خلال المؤتمر الأخير تمرير التراجع عن الفصل العاشر، وخاصة الذين احتلوا منصة الأمين العام ومنعوه من الكلام، ومن بينهم الشاذلي الفارح العضو السابق بالنقابة العامة للبنوك وفرج الشباح العضو السابق بالنقابة العامة للتعليم الثانوي. وفي نفس الوقت عملت القيادة النقابية على ضرب كل الهياكل التي أعلنت معارضتها للتراجع عن الفصل العاشر ومن هذه الهياكل الاتحاد الجهوي بتونس وبنزرت.
ثانيا: عملت القيادة النقابية خلال كامل الفترة الماضية على خلق موازين قوى جديد لفائدتها عبر "هندسة" كما يقال كل المؤتمرات التي عقدت في الفترة الماضية تقريبا من النقابات الأساسية إلى الاتحادات الجهوية والنقابات العامة.
ولذلك يسود اعتقاد في صفوف النقابيين بان ميزان القوى مائل الآن لفائدة القيادة الحالية وأنها ستعمل على استغلاله خلال المجلس الوطني القادم لتفرض إرادتها فيما يتعلق بنظام الدورتين.
غير أنّ قيادات نقابية من مستويات مختلفة أكدت لـ"الموقف" أن زمن انضباط الهياكل الصارم لتعليمات القيادة ولّى، وان هذه الهياكل وخاصة النقابات الأساسية، التي ستكون لها الكلمة الحاسمة في نهاية المطاف، أصبحت أكثر وعيا وتحررا حتى وان أبدت في الظاهر ولاء لهذا الطرف أو ذاك.
ولكن السؤال الذي يطرح هو: هل أن فرض تغيير الفصل العاشر وان بطريقة ديمقراطية من حيث الشكل سيكون كفيلا بإزالة الاحتقان المتصاعد في الساحة النقابية وبالتالي خلق حالة من الاستقرار الاجتماعي بالبلاد.
السياقات
تجاوز معضلة الفصل العاشر ومحاولة استيعاب الغاضبين وإيجاد قيادة قادرة على المسك بزمام الأمور داخل الاتحاد وتهدئة الجبهة الاجتماعية كل هذه المهام لن تقع معالجتها كما يرى عدد من النقابيين في سياق نقابي صرف بل انه سيصار إلى معالجتها ضمن سياق سياسي تمثل المحطات السياسية القادمة واحدة من ابرز محددات الاتجاه فيه. فالحكم، وهو احد اللاعبين الرئيسيين في الساحة النقابية، لا يبدو مستعدا لمواجهة التحديات التي تفرضها المرحلة القادمة بما فيها من استحقاقات سياسية هامة تتقدمها الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2014 والتي ستواجه البلاد فيها استحقاقات مصيرية، دون أن يكون قد رتب لهذه المناسبة بتهدئة الجبهة الاجتماعية وضمان حد من الاستقرار داخل المنظمة النقابية تفرضه قيادة لا فقط موالية ولكنها في الوقت نفسه قادرة على كسب ثقة العمال وعلى فرض الهدوء في الساحة النقابية.
ولن تكون هذه القيادة كما قال عدد من النقابيين قادرة على المسك بزمام الأمور في الاتحاد ما لم تعمل على استيعاب الغاضبين وإرضاء مختلف التشكيلات النقابية عبر السماح لها بقدر من التمثيلية في المراكز القيادية. وفي هذا السياق علمت "الموقف" أن الاتصالات التي تجريها السلطة مع بعض مكونات المعارضة النقابية جارية منذ مدة وان تلك الاتصالات تناولت جملة من المسائل على رأسها "الكوتا" التي يفترض أن تمنح لهذه التشكيلات في المؤتمر القادم للاتحاد.
عموما يعتبر النقابيون أن فرض مبدأ التداول على المسؤولية في الساحة النقابية ستكون له هزات ارتدادية في الساحة الوطنية وهذا تحديدا ما يزيد في تعقيد مهمة المطالبين بالتغيير في الاتحاد. بل إن من النقابيين من يعتقد أن الحكم بات يرى في تغيير الفصل العاشر وإلغاء مبدأ التداول على قيادة الاتحاد "بروفا" أو مقدمة ستكون رافعة معنوية مهمة لما يمكن أن يقدم عليه من تمديد أو توريث.
الموقف العدد بتاريخ 02 جويلية 2010
تعليقات
إرسال تعليق