الصّحافي الجيّد... هو الصّحافي الميّت"

"الصّحافي الجيّد... هو الصّحافي الميّت"
بقلم الفاهم بوكدّوس
لم يعُد مدى اعتماد نظام الحكم في تونس على السياسات الأمنيّة الصّارمة والمتشدّدة مجال خلاف. ولا تنعدم في أيّ مجال من مجالات الحياة العامّة أو الخاصّة أمثلة صارخة عن التدخّل البوليسي في حياة المواطنين مهما اقتربوا أو ابتعدوا عن الاهتمام بالقضايا الوطنيّة أو الدولية. غير أنّ زوال الحدود الفاصلة بين العام والخصوصي في هذه السياسة أصبح أكثر من أيّ وقت مضى ينزل بها إلى الحضيض.
لم تمض أكثر من ساعتين على دخولي قسم الإنعاش بإحدى مصحّات مدينة قفصة يوم 26 أفريل الماضي للتّداوي من أزمة ربو وتعفّن في الرّئتين حتّى كان رئيس منطقة الشّرطة "يزفّ" هذا الخبر إلى أحد محاميّ. وبعد حوالي أربع ساعات كانت سيّارة شرطة تقف جانب أحد النشطاء الحقوقيين بمعتمديّة المظيلة المجاورة، أين أعلم بالأمر نفسه: لقد أصبح الأمر سرّ دولة يتداوله أعوانها ولا أعرف تماما مستقرُّهُ.
في اليوم الموالي والذي تزامن مع إحدى جلسات محاكمتي على خلفيّة تغطيتي الصحفيّة للحراك الأهلي بمدن الحوض المنجمي، وقد تحسّن وضعي الصحّي نسبيّا، تقدّمت منّي إحدى الممرضات سائلة إن كنت أشتغل بالأمن، ولمّا إستفسرتها عن مغزى السؤال أكّدت لي أنّ البوليس متواجد في كلّ مكان. وقد علمت فيما بعد أنّهم اتصلوا بإدارته على أساس أنّهم سيعتقلونني من هناك في صورة إدانتي في "استباق" لحكم لا يمكن أن يصدر في تلك الظروف، وفي استهتار بحقّي في العلاج.ربّما مُعوّلين على زنازينهم العطنة لتُخمد آخر أنفاسي.
حين كنتُ أغادر ذلك المكان كانت إحدى سيّاراتهم لا تزال رابضة أمامه أين كان مستقلّوها يتخفّون بزجاجها "المدخّن" غير أنّ ذلك لم يمنعهم لاحقا من المجاهرة بممارسة هرسلة على إدارة المصحّة لأنّها متّعتني بتسهيلات في دفع معاليم العلاج لأنّه في عرفهم أجدى أن أنتهي مع أزمة تنفّس محروما من أيّ خدمات صحيّة.
ولأنّ ما حدث لم يكن طارئا ولا شاذا فقد تواصل معي لاحقا. حين أدخلت صباح السّبت 15 ماي الماضي قسم أمراض الصدر والحساسيّة بمستشفى فرحات حشّاد بسوسة لم يدر بخلدي لحظة أنّني سأكون بعيدا عن أعينهم حتّى أنّ أحد الممرضين أعلمني مساء الاثنين الموالي أن منطقة الشرطة بقفصة كانت على الخطّ وسألت عنّي. وفي ظهر اليوم التّالي، والوقت غير مخصّص للزيارات، لمحتُ في الرواق الذي يقع تحت ناظري حركة غير عاديّة لشخصين غريبين سرعان ما اقتحما الغرفة الصّغيرة وسألا بوقاحة عمّن يكون الفاهم بوكدّوس. ولمّا سألتهما عن هويّتهما أجابا: "أمن". ثمّ تكلّم أحدهما: "المهمّ كيف هو وضعك الصحّي؟" وليغادرا على الفور ربّما تأسّفا على أنّني مازلت حيّا.
ومع كلّ ما تبقّى من أيّام العلاج كنت ألمح التغيّر في عيون الممرضين والأطبّاء ممّا يعني أنّ الجهاز الأمني كان في قلب الموضوع الشيء الذي كان يُسرّب لي كثيرا من الإستياء الذي خفّفت منه الزيارات اليوميّة للنشطاء السياسيين والحقوقيين والنقابيين والطلبة.
وحين كنتُ أهمّ بالمغادرة صباح الاثنين 24 ماي الماضي كان يتكّرر على مسمعي سؤال وحيد عشرات المرّات: "ما هي حاجتك للتقرير الطبّي الذي طلبت؟" حتّى أنّ الطبيب الذي بادرني بالهمس أنّني مُراقب تناقش طويلا مع زميلته عمّن سيُمضي التّقرير الذي لم أتفاجأ بأن يكون معوّما ومُختزلا.
كلّ ما كان يحصل ذلك الصّباح كان يُدلّل على أنّني أصبحتُ عبء ثقيلا وأنّه يجدر بي أن أغادر في أسرع وقت: فالطبيبة المكلّفة بقياس مستوى تنفّسي اشتكت من أنّه ليس بالقدر المطلوب ثمّ خرجت لتتشاور في الأمر مع طبيبي المباشر وحين رجعت لم تعلّق على الموضوع وكأنّ شيئا لم يكن. والتّحاليل التي كانت ستُجرى لفحص عشرات البقع التي ظهرت في أنحاء من جسدي لم تتمّ. مع العلم أنّها ترجع إلى فترة إقامتي في السّجن المدني 9 أفريل بالعاصمة أواخر التّسعينات وكان طبيب الحبس قد أرجعها إلى إنهاك بالحقن المُعالجة لنوبات الرّبو. لقد كان من أثر الضّغوطات الأمنيّة أيضا أنّ طبيبي سلّمني وصفتي أدوية متشابهتين لعلاج واحد.
حين بدأت التنقّل بين عدّة أقسام من المستشفى لإنهاء تراتيب خروجي هالني حجم التّواجد الأمني، حيث أنّ أعوان البوليس السّياسي كانوا ينتشرون في كلّ مكان بل ويتعمّدون كشف أنفسهم في حين أنّ الأمر لم يكن ليتطلّب مثل ذلك الاستعراض خاصّة وأنهم من الوجوه المألوفة أمام مقرّي فرع منظمة العفو الدوليّة وجامعة الديمقراطي التقدّمي.
تواصلت المطاردة بعد الخروج من المستشفى واشتركت فيها سيارتين لا تحملان علامات خاصّة وكان راكبوها يرتكبون شتى المخالفات المروريّة لملاصقة السيارة التي كنت أقلّها. وحين قصدت مع بعض الأصدقاء مقهى وسط المدينة بدأت مرحلة جديدة من المراقبة مع تغيير في الأعوان والسّلوكات حتّى أنّ أحدهم سأل أحد مرافقيّ إن كنتُ سأغادر سوسة أم سأبيت. وكنت قد خيّرت الحلّ الثاني مخافة تعريض مضيّفيّ المفترضين لمضايقات هم في غنى عنها.
حين قصدت محطّة سيّارات الأجرة تواصل نسق المتابعة الأمنيّة ورغم أنّني انتظرت أكثر من ساعة ليكتمل عدد الركاب فإنّ مطارديّ لم يتركوني. وعند وصولي قفصة بعد أكثر من ثلاث ساعات كانت سيّارة بوليس في انتظاري لم يتركني أفرادها إلّا حين طرقت باب بيتي.
طوال الطّريق كان الموضوع الرّئيسي للركّاب حادثة اعتراض سيّارة السّجون التي تقلّ سجناء إلى سجن الهوارب وتهريب أحد المحكومين في قضايا حقّ عام مُرجعين الأمر إلى غياب المرافقة الأمنيّة الضروريّة. حينها فقط عرفت كم أنّني "محظوظ" بذلك الأسطول الأمني الذي كان يُحيط بي في كلّ مكان قصدتُ.
الفاهم بوكدّوس



في ذكرى6 جوان2008
مرّت سنتان على أحداث إطلاق النار على الشباب المتظاهر في مدينة الرديف، إطلاق نار أسفر عن استشهاد
شابين: الحفناوي بن رضا المغزاوي، الذي توفي برصاصة في ظهره وعبد الحق العمايدي، الذي توفي بعد أشهر من المعاناة بالمستشفى. شابان التحقا بهشام بن جدو العلايمي، الذي توفي بالصعقة في المولد الكهربائي لشركة فسفاط قفصة بتبديت، أين كان معتصما مع مجموعة من الشبان من أجل الحق في الشغل يوم 5 ماي 2008.
إطلاق نار خلّف زيادة على الضحيتين العشرات من الجرحى من ضمن شباب كان يطالب بالحق في الشغل والعيش الكريم ويحتج على المداهمات والتجاوزات والإتلاف في الممتلكات التي وقعت في الليلة السابقة بمدينة الرديف.
إطلاق نار تلته إيقافات ومحاكمات لكل القيادات التي كان لها دور هام في الحركة الاحتجاجية والمحافظة على صبغتها السلمية.
اللجنة الوطنية تجدّد مطالبتها، بمناسبة مرور سنتين على هذه الذكرى، بفتح تحقيق جدّي في ظروف وأسباب إطلاق النار وفي التجاوزات العديدة التي صاحبت اقتحام المنازل والمحلات ومحاسبة المسؤولين الفعليين عن تأزم الأوضاع في المنطقة وإفساد التفاوض .
كما تطالب بطيّ ملف محاكمة المحاكمات نهائيا بإصدار عفو عام على قيادات الحركة الاجتماعية المسرّحين وإرجاعهم إلى سالف عملهم وإطلاق سراح المسجونين وإيقاف التتبع ضد الملاحقين وسنّ سياسة حوار مع القيادات النقابية ومع المواطنين لإيجاد الحلول الجادة لقضايا البطالة والفقر والتدهور البيئي بمنطقة الحوض المنجمي.

6 جوان 2010
اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي




أبواق الردّة تواصل النفير
ردّا على تصريح رضا بوزرية للشروق حول الفصل العاشر
منجي العيساوي

طالعنا السيد رضا بوزريبة الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل في حوار بجريدة الشروق يوم 6-6-2010 بموقفه حول الفصل 10 الذي نغّص حياة المكتب التنفيذي الحالي مفاده "أن الفصل 10 فصل مثل كل الفصول وهو قابل للنقاش وهو بذلك قبل للبقاء والتحوير وأنه فصل جاء في ظروف استثنائية لمؤتمر استثنائي لم يكن آنذاك بالإمكان عدم تمريره" ...
لقد حاول السيد رضا أن ينفي عن الفصل 10 أهميّته وقيمته وبالتالي فان تغييره شيء عادى مثله مثل غيره

لذلك أقول للسيد رضا أن الفصل 10 ليس ككل الفصول هو فصل يرتقى في قيمته إلى قيمة الإضراب العام الذي اتخذته المنظمة سنة 78. لقد كرس هذا الفصل مبدأين على الأقل :

الأوّل هو مبدأ التداول وبالتالي فسح المجال لخيارات نقابية جديدة تواكب التطوّر العالمي للاقتصاد وتأثيره على حياة الطبقة العاملة والمجتمع لأن المنهج النقابي الحالي قد اعتراه الوهن وليس بإمكان هذا الجيل أن يضيف لتطلعات منخرطيه الذين فقدوا الثقة فيهم ولا بإمكانه أن يجدّد نفسه .
ثانيا بإمكان هذا الفصل أن يقطع مع عقلية التملك بالمناصب واعتبارها مكسبا ذاتيا وامتيازا لا ينزعه إلا الموت أو السلطة.

وأذكّر السيد رضا أن الفصل 10 جاء في مؤتمر استثنائي على أنقاض فضيحة الأمين العام السابق ولقد اتخذ المؤتمرون آنذاك هذا الموقف عن وعي وعن دراية وفى غفلة من البيروقراطية المرتبكة وقتها لأن الهدف الذي كان يقودها هو المحافظة على ارثها وموقعها على رأس المنظمة

إن الفصل 10 هو المكسب الوحيد الذي ربحته المنظمة على اثر ما سمّي بمؤتمر التصحيح وهي خسارة بسيطة في صفّ البيروقراطية لأنه كان من المفروض على الحركة النقابية أن تلحقهم بالسحبانى لا أن يعودوا لقيادة المنظمة ولأنهم لا يريدون فقدان امتيازاتهم هاهم يريدون تنفيذ انقلاب بعد أن استتب لهم الأمر.

إن فصل10 غير قابل للنقاش وهو ليس ككل الفصول والتراجع فيه هي عودة إلى الوراء بعشرات السنين بالاتحاد وبالحركة النقابية في البلاد.

منجي العيساوي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعرف عن اتحاد الشباب الشيوعي التونسي

الاشتراكية أو البربرية : حمة الهمامي

مبادئ الشيوعية :الى من يظن أن الشيوعية تنشر الالحاد