رسالة مفتوحة لأعضاء المكتب التنفيذي التسعة : نسألكم الرحيل
محمد الهادي حمدة
تنص أحكام الفصل 10 من القانون الأساسي للاتحاد العام التونسي للشغل ـ كما تعلمون ـ على عدم جواز الترشح لعضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العام خلال المؤتمر الوطني العادي المقرر لشتاء 2011 لمن كان عضوا لدورتين بهذه الهيئة القيادية. و تأسيسا على ذلك و انطلاقا من صفتي كمنخرط بالاتحاد العام التونسي للشغل منذ ما يزيد عن العقدين و إيمانا مني بالدور الوطني و الاجتماعي للمنظمة و في إطار التقاليد العريقة التي أرستها الأجيال المتعاقبة من النقابيين في الحوار حول كل ما يخص الحياة النقابية و مع تقديري للوظيفة القيادية و التقريرية للهياكل النقابية مثلما يضبطها النظام الداخلي و القانون الأساسي للاتحاد و اعتبارا إلى أن العمل النقابي جزء من الشأن العام الوطني فإنه يطيب لي أن أرفع لكم الملاحظات التالية :
1) أن الفصل 10 من القانون الأساسي للاتحاد العام التونسي للشغل ليس فصلا ككل الفصول الأخرى التي تكوّن متن القانون الأساسي للمنظمة حتى يزعم أحد أعضاء المكتب التنفيذي (أنظر حديث السيد رضا بوزريبة عضو المكتب التنفيذي لجريدة الشروق بتاريخ 6/6/2010) ذلك و إنما هو الفصل الوحيد الذي يضع حدا لوجودكم على رأس الاتحاد و إن أي سعي للدعوة لمراجعته أو إعادة النظر فيه أو تعليق العمل به بأي صورة من الصور يعتبر سعيا مفضوحا لاغتصاب السلطة داخل المنظمة بدعوى تحكيم إرادة النقابيين أو استثنائية الظرف الذي وقع فيه إدراجه ضمن القانون الأساسي الأمر الذي ينسف فكرة تقييد الحاكم بالشرعية و القانون وهي الأساس في بناء الحكم الرشيد سواء تعلق الأمر بمنظمة أو دولة، ولقد حاولتم خلال مؤتمر المنستير ديسمبر 2006 فرض التراجع في إدراج الفصل المذكور ضمن القانون الأساسي للمنظمة إلا أنكم فشلتم في ذلك فشلا ذريعا و ذلك بالنظر لقناعة أغلبية المؤتمرين بفحواه و تمسكهم بأحكامه باعتبارها واحدة من ضمانات تداول النقابيين على مسؤولية قيادة المنظمة و لا نخال أن تلك القناعة تراجعت و ذلك التمسك خبا على مر الأيام و السنوات.
2) أن أحكام الفصل 10 من القانون الأساسي للاتحاد العام التونسي للشغل لا تسمح لكم بالترشح لعضوية المكتب التنفيذي خلال المؤتمر القادم و عليه فإن إشرافكم أو مشاركتكم بالصفة و الاسم في نشاط نقابي يسعى لمراجعة محتوى الفصل المذكور أو يحرض على إعادة النظر في إعمال أحكامه قبل انعقاد المؤتمر على خلاف التراتيب القانونية النقابية الجاري بها العمل أو اعتماد أساليب المناشدات البالية التي مجها التونسيون لافتعال مبررات عقد مؤتمر استثنائي غايته الانقضاض على أحكام الفصل 10 من القانون الأساسي يعد في نظر النظام الداخلي و القانون الأساسي للاتحاد فضلا عن الأعراف و التقاليد النقابية الديمقراطية المتوارثة منذ منتصف الأربعينات من القرن الماضي يعد انتهاكا للقانون يستوجب المساءلة القانونية ضمن فضاء المنظمة فضلا عن الاستهجان و الإدانة الأخلاقية و القانونية من قبل أوسع دوائر الرأي العام النقابي و الوطني و كافة مكونات الحركة النقابية و العمالية العالمية التي ينشط ضمنها الاتحاد العام التونسي للشغل حيث لا يعقل أن يصدر انتهاك القانون أو تعطيل إنفاذه عمن يسهر على إعمال أحكامه.
3) أن إحالة النقابيين المعروفين بتمسكهم بأحكام الفصل 10 من القانون الأساسي للاتحاد سواء تعلق الأمر بالنقابيين الذين أحيلوا بعيد لحظة محاولتكم الفاشلة فرض إعادة النظر فيه خلال مؤتمر المنستير ديسمبر 2006 أو ما بعدها فضلا عن عرقلة ترشح البعض منهم للمسؤولية النقابية أن إحالتهم على لجنة النظام و خاصة خلال الفترة المتبقية على انعقاد المؤتمر الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل شتاء 2011 تعتبر منزلقا خطيرا باتجاه مزيد تحويل لجنة النظام لوسيلة تصفية الخصوم النقابيين و عقابا على الهوية النقابية من شأنه مساعدتكم على البقاء لأطول مدة ممكنة على رأس الاتحاد و في مخالفة صريحة للقانون الأساسي و النظام الداخلي تتحملون فيه كامل المسؤولية أمام النقابيين و أمام التاريخ النقابي للبلاد و أمام الحركة النقابية العالمية.
4) أن حصيلة أدائكم على رأس الاتحاد العام التونسي للشغل طوال العقدين المنصرمين ليس أفضل ما يمكن أن يقدمه النقابيون التونسيون للحركة العمالية التونسية حتى في ظروف أشد قساوة من تلك التي توليتم في سياقها قيادة المنظمة سواء تعلق الأمر بأجور العمال التي لا يزال الأدنى الصناعي أو الفلاحي المضمون منها تحت خط الفقر بالمعايير الدولية على أساس دولارين للفرد في اليوم لمعدل عائلة تتكون من 5 أفراد أو المدونة الشغلية التي فرطت في استقرار العمل و ساهمت تبعا لذلك في تفشي أكثر أشكال التشغيل هشاشة أو منظومة الضمان الاجتماعي التي كانت السياسات التي توخيتموها قد أحدثت أبلغ الآثار المدمرة عليها و منها قبولكم تحميلها تكلفة التخصيص خلال مرحلته الأولى و إيقاف الانتداب بالوظيفة العمومية و تحميل الصناديق الاجتماعية تكلفة الزبونية الاجتماعية و السياسية و عدم اعتراضكم على سياسات الاعتماد على الاستجابة للطلب الخارجي و انعكاساتها الاجتماعية ممثلة في ما يسمى بالسلم الاجتماعية ضمن "المفاوضات الاجتماعية" و إطلاق أيدي الأعراف في التصرف بكل حرية في اليد العاملة و خاصة في القطاع الخاص أو صمتكم على الحيف الذي كرسه النظام الضريبي المعتمد رسميا منذ 1990 و غض الطرف عن احتداد الفوارق بين الجهات و التأمين على المرض و تبخر آمال الشغالين في الانتفاع بخدمات صحية في مستوى الطموحات الوطنية و موقفكم المخزي من الاحتجاجات الاجتماعية لمنطقة الحوض المنجمي و تزكيتكم لمرشح السلطة في الانتخابات الرئاسية مع يقينكم بمسؤوليته الدستورية و التشريعية و السياسية على حالة التدهور الاقتصادي و الاجتماعي التي آلت إليها الأوضاع في البلاد فضلا عن معاينتكم لتفشي الفساد في كافة الدوائر و تفاقم انتهاك حقوق الإنسان و إعراضكم عن تفعيل قدرات الاتحاد العام التونسي للشغل في مجال الدفاع عن الحريات الفردية و العامة و انفصالكم القصدي عن مدونة مطالب شبكة المجتمع المدني التونسي المتطلع لتحقيق الحقوق و الحريات لكل الناس.
5) إن محتوى الحديث الصحفي الذي أدلى به أحد أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل خلال الأيام القليلة الماضية و خاصة في شقه المتصل بالفصل 10 من القانون الأساسي للاتحاد و الذي لا نخاله معزولا عما يدور في الغرف المغلقة لا يمكن فهمه إلا في سياق الملاحظات التي ذكرناها آنفا وهي إشارات واضحة في سعيها المحموم نحو التقليل من شأن الفصل 10 و ووضعه على قدم المساواة مع بقية فصول القانون الأساسي بدعوى تحكيم الإرادة النقابية و الحال أنه وقع تحكيمها و أقرت الفصل المذكور في سياق أشغال مؤتمر المنستير ديسمبر 2006 فلماذا الإصرار على نفس المطلب إن لم يكن خلف ذلك مخطط للانقلاب على الشرعية ؟
6) إن مغادرتكم للمسؤولية من على رأس الاتحاد العام التونسي للشغل سوف لن يصيب عمل المنظمة بأي أذى و سوف لن تربك المسارات النضالية للاتحاد لأن عراقة تاريخه و ثرائه بالإطارات و الخبرات و تراكم مهارات القيادة و التسيير فيه تؤمن له الاستمرار السلس و تفتح لقياداته الجديدة مجالا واسعا لإعادة تشكيل بنية الشرعية و الشروع في معالجة أزمة الديمقراطية التي تسببتم في احتدامها طوال العقدين المنصرمين إذ لا خوف على المنظمة إلا ممن جعلوا منها مزرعة خاصة و دجاجة تبيض ذهبا متاعا لهم و لمريديهم و أتباعهم.
7) يحتفظ النقابيون المنضوون تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل و المتمسكون بأحكام الفصل 10 من القانون الأساسي للاتحاد و ذلك في إطار إصرارهم على دمقرطة المنظمة و فتح الباب أمام تداول النقابيين على قيادتها و منع احتكار قيادة المنظمة في صفوة لا تجسم بالضرورة أفضل ما يوجد داخل الحركة النقابية فضلا عن ضحالة حصيلتها و ضمان حق كل النقابيين في تبوإ المناصب القيادية مثلما يضبطه القانون الأساسي و النظام الداخلي يحتفظون بحقهم في اختصامكم لدى المحافل و الهيئات المعنية بالشأن النقابي في العالم و الشبكة الدولية للنقابات العمالية.
8) إن المساعي الهادفة لتأبيد بقائكم على رأس الاتحاد من خلال افتعال ذرائع إعادة النظر و مراجعة الفصل 10 ستشكل فضيحة معنوية و أخلاقية ستبقى تلاحقكم أينما حللتم و لعل المسار التاريخي للحركة النقابية التونسية لا يزال يحتفظ في ذاكرته بالمكانة الرفيعة لمن أفنى العمر في خدمة الشغالين و من لا تزال اللعنة النقابية تلاحقه حيا أو ميتا.
لقد عانت الحركة النقابية التونسية في آخر الأزمات و المآسي التي عاشتها من انقلاب الحكم على الشرعية من خلال توظيف ما سمي آنذاك بالنقابيين "الشرفاء" خلال الفترة 1985 ـ 1989 و دفع النقابيون فاتورة باهضة دفاعا عن الاتحاد العام التونسي للشغل من حرياتهم الشخصية و راحة عائلاتهم يومها صاح الرئيس السابق ببطحاء محمد علي صيحته الشهيرة "عاد الدر إلى معدنه " و كانت قبلها قد عاشت أحداث الخميس الدامية ذات يوم من شهر جانفي سنة 1978 و قدمت يومها الشهداء و الجرحى قربانا للحرية و فداء للحق النقابي المناضل و المستقل و الممثل للعمال. ولكي لا يعيد التاريخ نفسه في شكل مأساوي :
نسألكم الرحيل
محمد الهادي حمدة
تعليقات
إرسال تعليق