عندما تحرم المراة من العمل فقط لكونها امراة
عندما تحرم المراة من العمل فقط لكونها امراة
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
سؤال لايزال يتردد دائما ويفرض حاله ونحن نعيش القرن الواحد والعشرين عصر العولمة والانفتاح والحريات العامة والديمقراطية , ويثير الكثير من النقاشات والجدل , هل عمل المراة ضرورة ام ترف وبطر؟؟؟ وهل هو مشروع ام ممنوع ؟؟؟ وهل المكان الحقيقي للمراة هو المنزل فقط ام الخروج للعمل ؟؟؟؟؟؟؟
ويشتد هذا الجدال في المجتمعات المحافظة المحكومة بالتقاليد والقيود اكثر من المجتمعات التي تتيح عمل المراة بحرية وتعتبرها من المسلمات التي لاتحتاج الى نقاش .
حيث يسود الصراع بين انصار عمل المراة وبين المعارضين له لما يعنيه انتصار أي طرف من اهمية لاثبات صحة نظريته ,
فلكل مجتمع واقعه الخاص الذي يختلف عن غيره , بل حتى في المجتمع الواحد تختلف النظرة الى عمل المراة من اسرة الى اخرى حسب ثقافة افرادها ووعيهم وحسب وضع المراة فيه ان كانت اما ام زوجة , اختا ام ابنة , مطلقة ام ارملة .
ولكن هل فعلا عمل المراة خارج المنزل ترف وغير ضروري ؟؟ ان كان الامر كذلك لماذا اذن تفتح المدارس والجامعات ابوابها امام الفتيات للتحصيل العلمي ان لم يكن بامكانهن ترجمة تلك الجهود الى واقع عملي ؟؟؟؟
فلا يزال مجتمعنا يناقش هذا الموضوع بعد ان تجاوزته المجتمعات المتحضرة وحسمته واعتبرت مسالة خروج المراة للعمل من الامور البديهية وضرورة اجتماعية واقتصادية , وحقا خالصا لها تكفله الدولة وقوانينها ومؤسساتها المختلفة استنادا لمبدا تكافؤ الفرص والمساواة في اشغال الوظائف العامة .
اما المجتمعات ـ العشائرية , المنغلقة , المتدينة تجاوزا ـ فقد ابت الا ان تجعل من هذه القضية معضلة بلا حل مابين جذب وشد وبين مؤيد ومعارض , لان حرية المراة فيها ليس في حكم العدم وحسب , بل ان جوا من الظلم والاضطهاد يسود التعامل معها , فتصطدم المراة دائما بجدار ذكوري مغلف بالتقاليد والعادات المتسلطة في كل خطوة تخطوها , حتى ولو كان متعلقا بابسط حقوقها واهمها , لا راي مستقل لها ولاحرية في اتخاذ القرارات الا بقدر ما يسمح لها به الرجل ـ الولي او الوصي ـ لانها تعامل كالاطفال القاصرين , تعطل ارادتها بالضغط احيانا وبالاساءة احيانا اخرى , بحجة التقاليد الاجتماعية التي تبيح التمييز الجنسي ضدها , وفي ظل غياب الديمقراطية والقوانين المنصفة التي تحمي المراة من نوازع الانانية والسيطرة الذكورية وتحرمها قبل الجميع من اتخاذ القرارات المصيرية , لانها دائما الطرف الاضعف في الاسرة والمجتمع .
اما القوانين فانها تكفل عمل المراة وتصونها , لكنها تبقى قوانين حاضرة النصوص غائبة التنفيذ , بسبب الواقع الاجتماعي وقيمه العشائرية الذي غالبا ما يسمح بذلك , حيث لا تزال هناك العديد من العقبات امام عمل المراة كي تتفاعل وتساهم في اختراق المجتمع الذكوري , حتى لو امتلكت التحصيل العلمي والمهارة والقابلية والابداع . ما يعني ان كما هائلا من الطاقات الكامنة لا يتم استغلالها والاستفادة منها لاسباب اجتماعية , ويبقى مدى تفهم العائلة لعمل المراة ومدى تقبل افراد اسرتها وتشجيعهم ومساندتهم او عدم قبولهم هو الاساس في عمل المراة من عدمه .
فالحياة تحمل العديد من التحديات والمواجهات والازمات وماحدث في السنوات الاخيرة بعد الحرب وتراجع دور المراة في الحياة العامة هو اكبر دليل على هذه الحقيقة , فقد تراجع عمل المراة في مختلف قطاعات العمل من التعليم والطب والهندسة والمحاماة والوظائف الادراية وقطاعات العمل الخاص الاستثمارية عما كان عليه قبل الحرب ,
وتشدد المحافظون الجدد والمعممون في التضييق على حرية المراة وعملها خارج المنزل , بحجة الحفاظ على ثوابت المجتمع الاجتماعية والدينية , على اعتبار ان عمل المراة يسهل فرص الاختلاط والتعامل مع الغير ,
لهذا فان اصابع الاتهام في مثل هذه المجتمعات تتجه دائما الى المراة عند حدوث أي مشكلة او فتنة حتى ولو كانت هي الضحية , بحجة انها فتنة وسبب فساد المجتمع وسبب كل الانحرافات , لانها رمز الخطيئة الاولى التي لولا حواء لما اكل ادم من الشجرة المحرمة , تلك الاسطورة الدينية الميثولوجية التي جعلت النظرة الى المراة ابدا نظرة شك وريبة وحذر , هذا عدا عن كونها ناقصة عقل ودين .
لهذا اضطرت المراة امام هذا الضغط العشائري الديني المحافظ المزيف , ان تتراجع وتنزوي عن ساحات العمل , وتعود الى المنزل والى العزلة الاجتماعية , فكم من امراة تملك من المؤهل والخبرة حملت شهادة تخرجها بما تحويه من تفوق وكفاءة ووضعتها مرغمة بعناية في احد ادراج المكتب او علقتها على الجدران للزينة بعد اجبرت على عدم العمل , لالشيء الا لكونها امراة فقط , لتقوم بعدها بتقديم سلسلة من التنازلات المستمرة وبمباركة المجتمع .
لتكون النتيجة المزيد من العزلة والمزيد من التراجع الانساني والحرمان من المشاركة الايجابية في بناء المجتمع , لانها دائما ترغم للاذعان من قبل الاسرة او المجتمع او كلاهما , عدا ما تلاقيه البعض منهن من ضرب وشتائم واهمال , وما عليها الا الصمت والتحمل رغما عنها , ما يجعلها تتطلع الى الهجرة بحثا عن الحرية في المنافي وبلاد الغربة لان تدرك اكثر من غيرها ان الحرية اهم بكثير من الخبز.
وهكذا تطلق رصاصة الرحمة على تطلعات المراة وامانيها من قبل المجتمع الذي طالما كانت المراة فيه معطلة وغائبة عن المجتمع فانه سيبقى مجتمعا متخلفا ورجعيا بعيدا عن التقدم والتحضر والديمقراطية , لان الديمقراطية لن تطبق كاملة مادام اهم عناصر الديمقراطية التي هي المساواة غائبة عن التطبيق .
فليس من المنطق ان تبقى هذه الاوضاع المقلوبة على حالها وتحرم المراة من حريتها ومن حقها في العمل , لان المراة التي تعلمت واجتهدت وتعبت من حقها ان تحصد نتائج تعبها بالعمل وان تشارك في الحياة العامة , ومن واجب المجتمع ان يكفل الظروف التي تجعل من هذه المشاركة ايجابية وفعالة , الا ان مجتمع الرجال الذي ينظر الى المراة نظرة الريبة والشك والحذر منها , ويرفض جوهر القضية وينظر الى عمل المراة على انه بطر وحرية غير منضبطة وانحلال في مجتمع تحكمه قيم وتقاليد عشائرية , انما هو مجتمع يعيش الزيف وازداوجية الشخصية بين القرون المظلمة وعصر الانفتاح ويغفل حقائق التطور والتقدم والحقوق التي تهز عرشه .
فوقع تغير وتيرة الحياة وصعوبتها لايمكن تجاهلها , من الازمات الاقتصادية الخانقة في العالم الى ارتفاع الاسعار والسلع والتضخم وتزايد طوابير العاطلين عن العمل الى تزايد حالات الفقر والتشرد ,الى ارتفاع سعر الذهب وانخفاضه او قوة الدولار وضعفه , والمضاربات في اسواق المال والاستثمارات , وتزايد الحاجات الشخصية والاسرية الضرورية ومحدودية الرواتب , كل ذلك مؤشر على ان الحاجة الى عمل المراة باتت ماسة وملحة ,
فايهما الافضل ان تعمل المراة وتسد حاجاتها وحاجات اسرتها من عملها بكرامة ام ان تكون عالة على الاخرين من الاهل والاقارب ؟؟؟؟ وايهما الاصح ان تعتمد على جهدها وعملها في استحصال لقمة عيشها ام العيش على المساعدات من اهل الخير والاقارب ؟؟؟؟ وماذا لو كانت عانسا او مطلقة او ارملة وبلا معيل ؟؟؟؟
وحتى المساعدات التي تقدم لها فهل هي كافية لتلبية الحد الادنى من احتياجاتها الاساسية ؟؟؟؟ والى متى يمكن ان تستمر تلك المساعدات ؟؟؟
لماذا يلجا المجتمع المراة الى انتظار ماتجود به الايادي اليها والى مد يدها للغير ويحرمها من العمل والاعتماد على النفس وتحصيل معيشتها بجهدها ؟؟؟
لماذا يجعلها تعاني مرارة الحاجة والعوز وضغوطات المشاكل الاقتصادية التي تعتبر من اهم المعوقات وسدا مانعا امام كرامتها واستقلالها خاصة اذا ما فقدت الزوج لتفقد معه المعيل وما يودي ذلك الى نتائج تعكس اثارها السلبية على وضعها .؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فلم يعد عمل المراة ترفا ولم يعد البيت هو المكان الاول للمراة كما كان سابقا لان البيت لوحده اصبح يضيق بجدرانه لشخصية المراة المستقلة , ولم يعد يكفي لبناء وتقويم الاسرة والشخصية وتطوير قابليات افراده وخصوصا المراة ,
العمل يحفز دائما الى الابداع والمسؤلية لبناء شخصية قوية اجتماعية ثقافية وهو يزيد من قابلية الادراك والفهم والتي تجعل الذهن متيقظا باستمرار يستوعب كل يوم شيئا جديدا , وتنمو معه المعارف التي تقوي من الشخصية وتزيد من الاحساس بالمسوؤليات التي ترفع من شان المراة ومن مستوى العيش بدل الاهتمام باعمال المنزل والكسل والانشغال باحاديث الثرثرة امام شاشات التلفاز واخر مستجدات الزواج والطلاق والانجاب ورغبات الزوج وكل تلك الاهتمامات الصغيرة ,
كما ان عمل المراة يضمن لها الاستقلالية والشخصية القوية وهو ضروري لها كي لا تكون تحت رحمة الرجل ولا عالة عليه , لان عملها يحقق هدفا اقتصاديا ويحقيق الذات ويقوي ذاتها ويجعلها تتحمل الصبر والشجاعة وقوة الارادة والقدرة على تحمل الصعاب بسبب فرض الجمع بين عملها المنزلي وعملها خارج المنزل , كما يدفع المراة الى الاهتمام بالحس الاجتماعي وملأ اوقات الفراغ والقضاء على الحاجة والعوز وتامين مستلزماتها ومستلزمات اسرتها , ويعود عليها وعلى اسرتها بالنفع العام لانها ستساهم في نفقات الاسرة والصرف على نفسها , حتى ولو كان الرجل هو المكلف شرعا بالانفاق عليها , فانها في هذه الحالة سوف تأمن غضبه وانزعاجه كلما طالبته بما يكفي لتامين احتياجاتها واحتياجات اسرتها التي لاتتوفر باستمرار .
وبعد ... هل نلوم هكذا مجتمعات ـ متخلفة ـ من منع المراة من المشاركة الايجابية وفرض عزلة قاهرة عليها وحرمانها من العمل ؟؟؟؟؟
تعليقات
إرسال تعليق