انهيار المحاماة
انهيار المحاماة
وضـــع المحامـاة قبل انتخابـات 20/06/2010
الانهيـــار
بقلم : الأستاذ فوزي بن مراد
لقد تسارعت الأحداث بشكل مثير داخل ساحة المحاماة وتحت أنظار السلطة وتواطئها لتدفع بالمهنة الى الإنهيار التام ... وإن هذه الكلمات عاجزة عن وصف الألم الذي يشعر به جزء هام من المحامين على ما آلت اليه مهنتهم بعد أن كانت مثالا يحتذى به فيما يتعلق بشفافية تصرف هياكلهم في مالهم العام ورسوخ التعامل الديمقراطي بين المنتسبين إليها أفرادا وهياكل فضلا عن دورها الوطني في مساندة كافة المطالب المتعلقة بإطلاق الحريات العامة والفردية والنضال مع بقية مكونات المجتمع المدني غير الحكومي من أجل التحقيق الفعلي « لدولة القانون »
بـــــــداية النفـــــــق
منذ الساعات الأولى التي تسلم فيها العميد ومجلس الهيئة الحاليان مهامهما تصرفا مع مهنة المحاماة وأموال المحامين كتصرف الغزاة مع السكان الأصليين ... فتم الترفيع في منحة السفر للعميد وأعضاء مجلس الهيئة من 000د200 لليوم الواحد الى 000د400 ... فخسرت خزينة المحامين أكثـر من 000د000, 300 دينارا بعنوان سفريات الى الخارج (يراجع التقرير المالي للسنة القضائية 2007 -2008 والتقرير المالي للسنة القضائية 2008-2009 )... و تم كذلك منذ الساعات الأولى توظيف ضرائب جديدة على أبناء "الشعب الكريم" الذين يرغبون في الانتساب الى مهنة المحاماة فتقرر ان تكون ضريبة الترسيم بالنسبة للطلبة 000د500 وبالنسبة لغيرهم 000د2000 ... وبقطع النظر عن عدم مشروعية هذه الضرائب غير المستندة إلى أي نص تشريعي فقد وفرت للعميد الحالي سيولة مالية ضخمة لم تتوفر لغيره من العمداء السابقين ... وقد تعامل معها بنهم كبير... فأنفق منها متى شاء وبالقدر الذي يشاء دون أية مراقبة أو احترام لأبسط قواعد المحاسبة (يراجع مقال فوزي بن مراد : أرقام مفزعة تشهد بسوء التصرف – جريدة الموقف لـ 02/11/2009 )
انتفاضة المجلس في 06/11/2009
في الجلسة العامة الأخيرة التي انعقدت في شهر جويلية 2009 تعرض العميد الحالي الى نقد شديد من طرف جل المتدخلين حول تبذيره مال المحامين هدرا ...من ذلك على سبيل المثال بلغت نفقات سيارته «الملعونة » 804د505, 46... كما أن فاتورة هاتفه الجوال لشهر ماي 2008 فقط- والذي يتم خلاصه من مال المحامين- بلغت 000د149, 3 ... ورغم كل ذلك واصل العميد في نهجه متجاهلا كل الانتقادات وغير عابئ بواقع المهنة وبضرورة «الرفق» بمالنا العام مما أدى الى بروز عديد الأشكال الاحتجاجية من أهمها انتشار مجموعة من الفاتورات والوثائق بين صفوف المحامين تبرز مدى خطورة هذه الانحرافات المالية... وقد تجاوزت الأشكال الاحتجاجية طابعها الفردي الى شكل جماعي... فاختص عدد من المحامين في المتابعة اللصيقة للفساد المالي أطلقوا على أنفسهم «محامون ضد الفساد » وتولوا تحرير المقالات وتوزيعها أو نشرها في المجلات والمواقع الالكترونية... وأمام تنامي منسوب الاحتجاج في صفوف المحامين انتفض مجلس الهيئة يوم 06/11/2009 ضد العميد وقرر في شأنه ما يلي : " وقف تحمل نفقات السيارة "الملعونة" الخاصة به وبيعها بالمزاد العلني , منعه من التصرف في الأموال السائلة التي توجد بادارة الهيئة , وعدم التكفل بدفع فاتورة هاتفه الجوال ..." ولأول مرة في تاريخ المحاماة ينتفض مجلس الهيئة بهذا الشكل ضد عميد مباشر
صندوق الحيطة والتقاعـد : وهذه حكاية أخـــــرى
ازدانت المحاماة بمولود جديد اسمه صندوق الحيطة والتقاعد وذلك بمقتضى الأمر المؤرخ في 11/02/2008 ... وانطلق نشاطه « المبارك» بداية من غرة جويلية 2008 معلنا دخول مهنة المحاماة في أزمة جديدة غير مسبوقة طيلة تاريخها ... وبدأت ملامحها تبرز رويدا رويدا ... في بادئ الأمر تولى العميد الغاء العمل بآلية الإمضاء المزدوج مع أمينة المال للهيئة على صيغ الصكوك البنكية الخاصة بصندوق الحيطة والتقاعد للمحامين وانطلق كالسهم يتصرف في أموال الصندوق بنفس الطريقة وعلى نفس الدرجة من النهم كما تصرف في أموال الهيئة وذلك بصفة منفردة ودون احترام أبسط قواعد حسن التصرف الإداري والمالي فاضطرت أمينة المال إلى تحرير رسالة بتاريخ 11/11/2008 تبين فيها مخاطر الأسلوب المعتمد من طرف العميد في تسيير الصندوق ... وكانت هذه الرسالة النافذة التي سمحت للمحامين بمتابعة الجزء اليسير مما يقع داخل جدران الصندوق ... وبتاريـــــــخ 22/12/2008 صدرت رسالة ثانية من أربعة أعضاء من مجلس ادارة الصندوق تتضمن جملة من المآخذ على تصرفه في الصندوق اداريا وماليا وتبعتها رسالة ثالثة ورابعة على نفس المنهج.
ولكن فلنختصر المسافات... فدون سرد مزيد التفاصيل والقصص الغريبة عـن " النهب المنظم" لأموال المحامين ... تولى العميد عرض على مجلس ادارة الصندوق وثائق سماها " قوائم مالية" للمصادقة عليها ...فتم رفضها من طرف جميع الأعضاء لعدم إعدادها طبقا للقواعد القانونية ذات الصلة وكرد فعل عن هذا الرفض دعا العميد المحامين الى جلسة عامة خارقة للعادة ليوم 06/03/2010 لم يتجاوز عدد المحامين الذين سجلوا حضورهم سوى 47 محاميا من 8000 وهو العدد الجملي للمحامين الا أنه – كالعادة – لم يستخلص عميدنا النتائج من هذا الفشل الذريع ودعا الى عقد جلسة عامة خارقة للعادة ثانية ليوم 03/04/2010 ثم تراجع عنها يوم 02/04/2010 بعد أن أدرك هذه المرة ان موازين القوى لم تعد لصالحه .
قرر مجلس ادارة الصندوق في اجتماعه بتاريخ 02/04/2010 ا تكليف الخبير( الواقع طرده سابقا من طرف العميد لعدم "انسجامه معه" ) بإعداد القوائم المالية للصندوق وبقي الجميع ينتظر نتائج أعماله ليستخلص في تقريره انعدام ما يبرر صرف000 000د900 وذلك استنادا الى القواعد الفنية والقانونية للمراقبة والتصرف (يراجع مقال الأستاذ رضا بالحاج « المحامون ومراقبة التصرف في صندوق الحيطة والتقاعد »– مجلة الأخبار القانونية – لشهر جانفي 2010 )
لقد أبرزت الوقائع المذكورة أعلاه الحقائق التالية :
*- سعى جانب مهم من المحامين الى منع الانهيار ... فقدم الأستاذ محمد الهادي العبيدي شكاية الى هيئة الخبراء المحاسبين ضد الخبيرين اللذين استند اليهما العميد للتغطية على سوء التصرف المالي ... وهما الآن محالان أمام مجلس التأديب .
*- قام مجموعة من المحامين عرفوا داخل المهنة بمجموعة "الخمسين" باصدار نداء أول بتاريخ 26/03/2010 ونداء ثان بتاريخ 03/04/2010 ... كما تنقل عدد من أفراد هذه المجموعة إلى جل المحاكم وتولوا شرح الانحرافات المالية والتصدي لكل المغالطات مما خلق رأيا عاما مناهضا للفساد المالي ... لقد تفطن العميد إلى هذا الأمر في جولاته مما جعله يتراجع عن عقد الجلسة العامة الخارقة للعادة بتاريخ 03/04/2010 .
*-ان هذا الانفراد بالرأي وسوء التصرف المالي والاداري واصباغ سلطة العميد بطابع ميليشياوي جعل المهنة تفقد بريقها الذي امتازت به طيلة تاريخها كمحضنة للتنوع الفكري والممارسة الديمقراطية والشفافية في التصرف المالي ...ولكن رغم أن المحاماة هي أحد مظاهر الحداثة يقع – مع الأسف – التصرف في أموالها وتسيير هياكلها بعقلية قروسطية مبنية على قاعدة الغنائم والزبونية
ولا شك لدينا أن انتخابات 20/06/2010 ستمنح فرصة للمحامين لاسترجاع هياكلهم بعد ان تم خصخصتها وذلك بتمكينها من استنشاق الهواء النظيف ومعالجة جراحاتها لاستعادة عافيتها حتى تتمكن من اعادة اعمار ما تم هدمه من هياكل وقيم ومفاهيم ... فوجود محاماة قوية ومستقلة ومناضلة - كما كانت دائما – هو الامر المنشود وذلك من أجل سيادة القانون واستقلالية القضاء والدفاع عن شروط المحاكمة العادلة في مصلحة الجميع سواء من هم في السلطة أو من هم خارجها ... إن
اضطلاع المحاماة بهذا الدور ليس من قبيل المعارضة السياسية لنظام الحكم بل هو جوهر رسالتها وصميم دورها ... أمـــــا ما حصل لنا طيلة السنوات الثلاث المنقضية ستكون خاتمته كخاتمة قصة الأرنب والأسد من قصص كليلة ودمنة ... ومن يجهلها!!!
المصدر : منتدى" الديمقراطية النقابية و السياسية "
الرابط : http://fr.groups. yahoo.com/ group/democratie _s_p
تعليقات
إرسال تعليق